كيف حافظ الأبناء والأحفاد على التراث الموسيقي المصري الأصيل؟
حسن شرارة يؤكد على أن موسيقى الفنان الراحل "عطية شرارة" لن تندثر
الفنان الراحل الموسيقار المعروف عطية شرارة، لم يترك فقط سجل حافل في الموسيقى الشرقية التى لصقت في أذهان العاشقين والمولعين بالموسيقى الشرقية، ولم يرحل لكى يندثر جزء هام من التراث المصري للموسيقى العربية، بل أنه ترك أولادا وأحفادا مازالوا يرددون مقطوعات من موسيقاه الجميلة ومعزوفاته الرقيقة على آلة الكمان.
تسلم أبناءه وأحفاده الراية منه، ليكملوا مسيرته الفنية ويجولون في دول العالم لينشروا فنه الموسيقي الرائع، الذى يعتبر جزء من التراث الموسيقى المصرى الأصيل، الذى تفتخر به مصر به وتحرص للحفاظ عليه، فهى موسيقى تتمتع بالروح المصرية والأصالة العربية.
ويعتبر الفنان الراحل عطية شرارة أحد أبرز الجيل الثانى من الموسيقيين المصريين، وساهم في وضع أسس موسيقى الكونسيرتو العربى للآلات الموسيقية .
درس عطية شرارة الموسيقى، في معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية الموجود بمنطقة رمسيس في القاهرة وكانت دراسته لآلة الكمان، ثم اكتشفه الفنان القدير محمد عبد الوهاب وطلب من عطية شرارة أن ينضم لفرقته الموسيقية وهو لم يتعدى عمره واحد وعشرون عاما، وعمل عطية شرارة مع محمد عبد الوهاب وهو مازال طالباً في معهد الموسيقى، واشترك في فيلم “رصاصة في القلب” في الأغنية الشهيرة التى غناها محمد عبد الوهاب خلال الفيلم وهى أغنية “حكيم عيون” مع الفنانة راقية إبراهيم.
وكان عمله الذى ساهم في شهرته هو عمله كعازف لآلة الكمان في فرقة أم كلثوم، وحضوره الحفلات التى كانت تقدمها،
وفي ذلك الوقت وفي فترة صعوده البارز على “سلم الشهرة الموسيقية”، تم أختياره قائداً لفرقة موسيقى الإذاعة في مصر، وقدم عدد من الأصوات الجديدة من خلال ميكروفون الإذاعة المصرية من بينهم نجاة الصغيرة وشريفة فاضل ومحمد ثروت.
وبخلاف المقطوعات الموسيقية التي ألفها الفنان عطية شرارةواشتهرت مثل “ليالى القاهرة” و”ليالي النور” و”ليالى الإسكندرية”، وغيرها من المقطوعات الموسيقية المصرية الأصيلة التي نالت شعبية هائلة، فلقد اشتهر عطية شرارة بوضع الموسيقى التصويرية لعدد كبير من الأفلام، من بينها أفلام : “نهاية حب” و”ساحر النساء”، و”توحة” و”حسن وماريكا”، وغيرها من الأفلام التي شارك فيها بموسيقاه المؤثرة والمعبرة.
وكان الفنان عطية شرارة قد نقل إلى أنجاله عشق وحب الموسيقى وطبعت موهبته عليهم فدرس أبناؤه جميعهم الدراسة الأكاديمية والموسيقى العربية وأيضاً الغربية الكلاسيكية.
وفي عام ١٩٨٠ قام الفنان عطية شرارة، بتأسيس فرقته الموسيقية التى حملت اسمه بهدف عزف موسيقاه، وقد نجحت الفرقة منذ بدايتها وانتشرت محلياً ودولياً بسبب حرفية عازفيها وجدية موسيقاها والمتمثلة في الموسيقى الآلية بقوالبها المتنوعة مثل الموسيقى الصوفية والشعبية وأيضا الموسيقى الراقصة والموسيقى التصويرية.
وسميت فرقته الموسيقية التي تضم أبناؤه وعدد قليل من العازفين المتميزين بفرقة “سداسي شرارة” فلقد كان عدد أفراد الفرقة في ذلك الوقت ستة عازفين.
واستمرت الفرقة في تقديم الموسيقى المصرية والعربية في العديد من المحافل والمهرجانات الموسيقية التي أقيمت في مصر ، بالإضافة إلى الاشتراك في العديد من المهرجانات الدولية مثل مهرجانات: جرش وأربد بالأردن، وبعلبك في لبنان، ومهرجان قرطاج وسوسة بتونس، ومعرض الكتاب الدولي بالبحرين ومهرجان صنعاء، وغيرها من المحافل الدولية.
كما قدمت الفرقة عدة حفلات في عدد من الدول الأوربية والعالمية منها: ألمانيا وإيطاليا وسويسرا وفرنسا والمجر ومالطا والهند وباكستان وغيرها من الدول. هذا بالإضافة للاشتراك في الحفلات السنوية التي تقدمها دار الأوبرا المصرية ومؤتمر الموسيقى العربية، ومهرجان القلعة بالقاهرة، ومهرجان الإسكندرية للموسيقى العربية، وغيرها.
وحصلت الفرقة، ممثلة في قائدها الموسيقار عطية شرارة على العديد من الأوسمة وشهادات التقدير من الملك محمد الخامس ملك المغرب، والملك حسين ملك الأردن والسلطان قابوس، وعدد من رؤساء الدول.
وبعد رحيل الفنان الموسيقار عطية شرارة في يونية عام ٢٠١٤ عن عمر يناهز ٩٢ عاماً، تولى نجله الأكبر الفنان الدكتور حسن شرارة قيادة الفرقة، ولازالت الفرقة تعزف موسيقى الفنان الراحل بنفس الحماس وتلقى في المقابل كل اعجاب وتقدير من الجمهور.
والمعروف عن نجله الأكبر الفنان حسن شرارة والذى يعزف على آلة الكمان (فيولينه) – وهى نفس الآلة التى عزف عليها والده خلال سنوات طويلة – أنه حاصل على دكتوراة في الموسيقى ويعمل أستاذاً في المعهد العالى للموسيقى في الهرم “الكونسرڤاتوار” التابع لأكاديمية الفنون، ويشترك في الفرقة معه أخوته: ومنهم الفنان أشرف شرارة عازف التشيللو الرائع، إلى جانب عازفين آخرين يتميز جميعهم، بالدراسة الأكاديمية الشرقية، والغربية.
مع مرور الوقت انضم للفرقة أحفاد الفنان عطية شرارة كالفنانة خلود شرارة عازفة الفلوت المعروفة، وهى العازفة الأولى للفلوت لفرقة أوركسترا مكتبة الأسكندرية والمدرسة لآلة الفلوت “في كونسرفاتوار” القاهرة، ومن الأحفاد أيضاً الفنان أحمد شرارة والفنان محمد محيي شرارة.
وتضم الفرقة عدد من العازفين المتميزين والذين يضيفوا الى الفرقة لمسات فنية إضافية مثل الفنان عابدين سعيد عازف القانون، وضابط الإيقاع، زين العابدين عبد العال، وحنفي محمود، عازف الناي، وعبد الرحمن إبراهيم، عازف الكونتر باص المميز.
وما زالت الفرقة تعزف موسيقى الفنان الراحل الخالد عطية شرارة تمجيدا لدوره البارز في التأليف الموسيقي الذي سيبقى إلى الأبد شاهدا على دوره الرائد في عالم الموسيقى المصرية الأصيلة أحد أعمدة الموسيقى العربية العريقة.
*************
الموسيقار الراحل عطية شرارة في سطور
عازف كمان ومؤلف موسيقي مصري، ولد بمدينة القاهرة في الخامس عشر من نوفمبر عام 1923، تلقى تعليمه الأول في مدرسة النحاسين ببيت القاضي، ثم انتقلت أسرته إلى حي شبرا، كان حبه للموسيقى مسيطرًا عليه، وكان يستمع إلى الموسيقى التي كانت تقدم في الحدائق العامة بالقاهرة في ذلك الوقت وكان هو نفسه عازفًا هاويا لآلة العود فاقترح على والده إلحاقه بمعهد الموسيقى.
وفي عام 1941، التحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية حيث درس عزف آلة الكمان على الأستاذ المعروف أرميناك الذي درس عليه كبار عازفي آلة الكمان المصريين أمثال أنور منسي وفؤاد بيومي ويسرى مطر أما الهارموني والنظريات على الأستاذ كوستاكي، أظهر عطية شرارة تقدماً سريعاً في تعلم عزف آلة الكمان، حتى أنه شارك في الحفل الرسمي في السنة النهائية بالمعهد.
سمعه الموسيقار محمد عبد الوهاب وهو يتدرب على آلة الكمان، فأعجب بأدائه وطلب منه أن يشترك بعزف منفرد مع فرقته الموسيقية التي كانت تضم كبار العازفين لمصاحبته في أغنية “حكيم عيون” التي غناها مع راقية إبراهيم في فيلم “رصاصة في القلب” . وفي عام 1944عاد مرة أخرى إلى معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية للدراسة حتى تخرج منه عام 1948.
ولمع اسم عطية شرارة كعازف بارع على آلة الكمان في مجال الموسيقى العربية وفي تلك المقطوعات نذكر “فانتازى شرقى” و”الساحر والشيطان”. وقد اتيح لعطية شرارة الفرصة للاستماع بكثرة إلى أعمال كبار مؤلفى الموسيقى الغربية ومن خلال مكتبة صديقه “عازف الكلارينيت” الراحل ميشيل يوسف.
وفي عام 1951، بدأ شرارة يتلقى دروساً خاصة في علوم التأليف الموسيقى مع الأستاذ الإيطالي “ميناتو” واستمر معه لمدة عامين. وفي عام 1953، درس الكتابة الاوركسترالية مع الأستاذ “إيزائيا”.
كون عطية شرارة فرقة خاصة به والف العديد من المقطوعات مثل “ليالي القاهرة”، “ليالي الإسكندرية”، “ليالي النور”، “ليالي المنصورة”، وقد لاقت تلك المقطوعات نجاحاً جماهيرياً على نطاق واسع، وانتشرت من خلال تقديمها في الإذاعة وتسجيلها على أسطوانات.
أصبح عطية شرارة يقدم فاصلاً من موسيقاه كل ليلة في برامج الحفلات، بل أن صورته كانت توضع في الإعلانات بجانب صور كبار المطربين والمطربات. وعندما تكون أوركسترا الإذاعة المصرية عام 1951، استطاع شرارة أن يكتب المؤلفات التي يمكن لهذا الأوركسترا أن يقدمها.