بريطانيا

قرار تاريخي لمجلس العموم البريطاني، برفض اتفاقية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي

قرار البرلمان لا يعني عدم خروج بريطانيا من الاتحاد، بل خروجها بدون وثيقة تفاهم منظمة للعلاقات الثنائية

رئيسة الوزراء البريطانية “تيريزا ماي” لم تحصل على موافقة البرلمان البريطاني على خطتها للخروج من الاتحاد الاوربي

رفض البرلمان البريطاني (مجلس العموم البريطاني) مشروع “أتفاقية الخروج من الاتحاد الأوربي” التي قدمتها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والتي حصلت على موافقة الحكومة البريطانية وأيضا موافقة قادة الاتحاد الأوربي.

وكانت موافقة مجلس العموم البريطاني بمثابة الخطوة النهائية لوضع أتفاق يقنن العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة بعد خروج الأخيرة منه، والذي من المتوقع أن يتم فعليا نهاية شهر مارس المقبل.

أسفرت نتيجة التصويت عن موافقة 202 عضو من النواب على مشروع الاتفاقية، مقابل 432 ضد الاتفاقية.

وهذه النتيجة تعتبر بمثابة هزيمة مدوية لرئيسة الوزراء البريطانية بعد أن أثمرت كل جهودها خلال أشهر عديد ماضية وجهود مضنية الى خيبة أمل عميقة قد تؤدي برئيسة الوزراء بالتخلي عن منصبها وترك العمل السياسي برمته.

ومن ناحية حزب العمال المعارض، فلقد صرح “جيريمي كوربن” رئيس المعارضة باقتراح للمعارضة بسحب الثقة من الحكومة.

وكان الاستفتاء الشعبي الذي أجري عام 2016 قد أسفر عن موافقة الأغلبية على الخروج من الاتحاد الأوربي، وطوال تلك الفترة جرت مباحثات ومفاوضات عديدة ومطولة للتوصل إلى صيغة تفاهم بين الاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة لتحديد الواجبات والحقوق لكل طرف بعد الانفصال الفعلي.

وبعد التصويت صرحت رئيسة الوزراء البريطانية للنواب بكلمة قالت فيها: “أعتقد أن الواجب يفرض علينا تطبيق القرار الديمقراطي للشعب البريطاني”، وأكدت للنواب أن الاتحاد الأوروبي لن يعرض “اتفاقا بديلا” وقالت أن الواجب يفرض علينا تطبيق ما صوت عليه الشعب عام 2016.

ويعتبر هذا القرار، قرارا تاريخيا سيكون له توابع كثيرة ومتشعبة على تاريخ المملكة المتحدة ومستقبلها من الناحية الاقتصادية والسياسية وأيضا سيفرض نتائج مختلفة وواقع جديد على بريطانيا.

وكانت رئيسة الوزراء البريطانية قد حذرت من التبعات في حالة رفض البرلمان البريطاني مشروع اتفاق الخروج من الاتحاد الأوربي وخاصة في ظل المؤشرات التي تثير عدة تساؤلات عن إمكانية “تيريزا ماي” في الحصول على موافقة البرلمان على الاتفاق.

وقالت تيريزا ماي في تصريحات لوسائل الإعلام “أن بلادها ستواجه المجهول” إذا رفض البرلمان البريطاني وثيقة الاتفاق للخروج من الاتحاد الأوربي. ويخشى كبار رجال الأعمال والمستثمرين في بريطانيا من مغبة حدوث أمر مثل ذلك، لأن الخروج بدون اتفاق لا يعطى أي ضمانات لبريطانيا.

بينما تيريزا ماي التي بذلت مجهودًا كبيرًا مع قادة الدول الأوروبية، للحصول على موافقتهم على مشروع اتفاق مفيد بقدر الإمكان لبريطانيا ـ وحصلت على موافقة الحكومة البريطانية وأيضا موافقة قادة الاتحاد الأوربي بصعوبة – فإنها الآن أمام عائق ومشكلة لا تستطيع حلها، وهى رفض أغلبية أعضاء البرلمان البريطاني على مشروع الاتفاقية، وهو الأمر الذي دفعها إلى تأجيل التصويت عليها مرتين، حتى تستطيع إقناع أعضاء البرلمان بالتصويت بالموافقة، غير أن الوقت مر دون تغير يذكر وباءت كل محاولاتها لإقناع النواب في مجلس العموم البريطاني بالفشل.

وكررت رئيسة الوزراء تيريزا ماي لأعضاء حزبها من المحافظين بأن هذه الاتفاقية تعد بمثابة الحد الأقصى من تنازلات الدول الأوروبية لصالح بريطانيا، وأن رفض الاتفاقية ربما يؤدى إلى خروج بلا اتفاق، أو أن يقضى ذلك بعدم خروج بريطانيا أساسا من الاتحاد !

وحاول بعض مساعدي رئيسة الوزراء تيريزا ماي بإقناع بعض النواب المعارضين للموافقة على الاتفاقية، ومحاولة إقناعهم بأنه بعد التوقيع عليها، فإن بريطانيا تستطيع التفاوض مع الاتحاد الأوربي للحصول على بعض الامتيازات الأخرى. أما دول الاتحاد الأوربي من ناحيتها، فإنها أكدت أكثر من مرة، على أن محتويات مشروع الاتفاق الذي تحمله “تيريزا ماي” هو الحد الأقصى لما يمكن لبريطانيا أن تحصل عليه.

وكان ملف أيرلندا الشمالية هو أكثر البنود تعقيدًا في الاتفاق الخاص بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، إذ يقضى بتطبيق قواعد السوق الأوروبية الموحدة لتفادى الانفصال التام بين أيرلندا العضو في الاتحاد الأوربي، ومقاطعة أيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا أو المملكة المتحدة.

وكانت تيريزا ماي قد عبرت ومعها عدد من أعضاء الحكومة من حزب المحافظين عن رفضهم لإجراء استفتاء ثان بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي. على اعتبار أن استفتاء ثان سيؤدى إلى انقسام مجتمعي في البلاد، بالإضافة إلى أن نتيجته غير مضمونة، بمعنى أنه قد يؤدى إلى نفس النتيجة ويعيدهم الى نقطة الصفر، بموافقة الأغلبية على الخروج من الاتحاد الأوربي.

تيريزا ماي

وفي ظل الجدل البرلماني حول موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي زاد عدد الساسة البريطانيين الذين يعتقدون عن احتمال خروج بلادهم دون إبرام اتفاق مع الاتحاد الأوربي، وهو الأمر الذي قد يسبب توابع غير متوقعة وغير منتظرة بالنسبة لبريطانيا، تماما مثل “الطلاق بدون اتفاق” كما يشبهه البعض ..!

ومن ناحية أخرى، أصدرت محكمة العدل الأوروبية ـ والتى تعتبر أعلى محكمة في دول الاتحاد الأوربي ـ قرارا يقضى بأنه يمكن للحكومة البريطانية اتخاذ قرار من جانب واحد بالعدول عن الانسحاب من الاتحاد الأوربي .

وهذا القرار يمكن تنفيذه دون استشارة من الدول الأعضاء في الاتحاد … !!!

وذكرت المحكمة في القرار “أنه يجوز للمملكة المتحدة العدول بشكل إحادي عن أخطار بلغت فيه رسميًا الاتحاد الأوربي بنيتها الانسحاب منه”!

وكانت رئيسة الوزراء البريطانية “تيريزا ماي” قد أرجأت التصويت في البرلمان للمرة الثانية على اتفاق الخروج من الاتحاد الأوربي، إلى قبل يوم ٢١ يناير الجاري بينما طالب زعيم المعارضة “جيريمي كوربن” بالتصويت على “سحب الثقة من رئيسة الوزراء”.!

وأعلنت تيريزا ماي في اجتماع مجلس النواب أنه “ليس هناك أي جدوى من إجراء استفتاء جديد على الخروج من الاتحاد الأوربي، بل على العكس فإن إجراء ذلك سيؤدى إلى اهتزاز ثقة الشعب البريطاني في مؤسسات الدولة الديمقراطية، وأن تنظيم استفتاء آخر سيزيد من التمزق والانقسامات في المجتمع”.

وقال “جيريمي كوربن” زعيم المعارضة في البرلمان البريطاني، أن رئيسة الوزراء لم تعد تحظى بتأييد أعضاء حكومتها، وشدد على أهمية سرعة التصويت على مشروع اتفاق الخروج من الاتحاد الأوربي.

وكانت رئيسة الوزراء قد حصلت على موافقة قادة دول الاتحاد الأوربي لمشروع اتفاق انفصال بريطانيا عن الاتحاد، وهو المشروع الذي يضم عدة ملفات بشأن ما بعد الخروج، وبنود تنظيم حقوق المواطنين الأوروبيين المقيمين في بريطانيا، وأيضًا البريطانيين المقيمين في الدول الأوربية، بالإضافة إلى ملفات تنظيم الحدود الأيرلندية، وملفات الالتزامات المالية البريطانية تجاه الاتحاد.

تظاهرات في لندن تطالب بإعادة الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوربي

ومع اتساع الجدل السياسي بين الحكومة والبرلمان في بريطانيا انتقل هذا الخلاف إلى الشارع، حيث تتظاهر أعداد من المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوربي، بينما تتظاهر أعداد أخرى وبكثافة أكبر للمطالبة بإعادة الاستفتاء مرة ثانية، وعدم اتخاذ قرار متسرع قبل التعرف على كافة السلبيات الي قد تنتج عن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوربي.

وكان يهدف حزب العمال المعارض برئاسة “جيريمي كوربن” منع الخروج من الاتحاد “دون اتفاق”، غير أن نتيجة التصويت تضع احتمال الخروج بدون أتفاق هو الأمر الأرجح بعد رفض مجلس العموم البريطاني للأتفاقية التي وقعتها تيريزا ماي مع الاتحاد الأوربي.

وباستشارة الخبراء السياسيين في حزب المحافظين، كانت تيريزا ماي قد قررت تأجيل التصويت على مشروعها عدة مرات، لأنها كانت على يقين بأن خسارتها مؤكدة، ومن هنا جاء قرارها بتأجيل التصويت لأبعد تاريخ ممكن، في محاولة أخيرة لإقناع النواب المعترضين على مشروع الاتفاقية بالموافقة عليه، وإقناعهم أنه بالرغم من كل الملاحظات على محتويات هذه الاتفاقية، فإنها في النهاية أفضل من الخروج من الاتحاد الأوربي بلا أي اتفاق ! غير أنه بالرغم من تأجيل التصويت لعدة مرات كان هناك تاريخ فصل، وهو الذي جرى فيه التصويت بالرفض وبأغلبية ساحقة في مجلس العموم.

وكما قالت رئيسة الوزراء البريطانية “تيريزا ماي”، أن “بريطانيا ستواجه المجهول” في حالة رفض البرلمان البريطاني لمشروع اتفاق الخروج مع الاتحاد الأوربي، فإن التصويت التاريخي الذي جرى مؤخرا في مجلس العموم لن يطيح فقط بتيريزا ماي رئيسة الوزراء وأعضاء الحكومة، بل أنه سيأخذ المملكة المتحدة في منعطف مجهول، سيزيد فيه الخلافات بين الاتحاد الأوربي وبريطانيا، لعدم وجود أسس وقواعد تحدد العلاقات الكثيرة والمتشعبة التي ستنتج نتيجة هذا الانفصال “مجهول المعالم”.

رشدي الشافعي

المهندس رشدي الشافعي
مؤسس ورئيس تحرير جريدة «الحرية» منذ عام 2009.
بكالوريوس الهندسة المدنية «إنشاءات»
كلية الهندسة - جامعة الإسكندرية.
صحفي، مدير مكتب جريدة الجمهورية المصرية
في باريس سابقاً.
رئيس مجلس التعاون المصري- الأوربي.
زر الذهاب إلى الأعلى