أوروبا

ما هو مصير مؤتمر حلف شمال الأطلسى «الناتو» بعد هجوم ترامب وتصريحات ماكرون النارية؟

حلف "الناتو" يحتفل بمرور 70 عاما على إنشاؤه

الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون

يعقد يومى ٣ و٤ ديسمبر القادم ٢٠١٩، المؤتمر السنوى لحلف شمال الأطلسى والذى يطلق عليه اسم «الناتو» NATO ، في العاصمة البريطانية لندن بحضور ٢٨ رئيس دولة ووزراء دفاع وممثلي حكومات الدول الأعضاء في الحلف، يتقدمهم الرئيس الأميركى دونالد ترامب.

وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية هى قاطرة هذا التحالف والممول الأساسى له منذ تكوينه.

ويحتفل حلف الناتو هذا العام بمناسبة مرور ٧٠ عامًا على إنشاؤه، ويعتبر لقاء هذا العام في لندن من اللقاءات المهمة للحلف، وخاصة بعد الهجوم الذى شنه الرئيس دونالد ترامب على رؤساء الدول الخلفاء في اللقاءآت الأخيرة وخاصة لقاء بروكسيل (بلجيكا) السابق الذى عقد يومى ١١ و١٢ يوليو ٢٠١٨، والتراشق اللفظي مع الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون.

وكان الرئيس ماكرون قد أدلى بتصريحات نارية، قال فيها: أن حلف شمال الأطلس «الناتو» يعتبر “مات إكلينيكيًا! أو أنه في الانعاش”.. وجاءت تصريحات الرئيس الفرنسى أثناء إدلاؤه بحديث صحفى لمجلة الاقتصادى (ذا ايكونوميست) The Economist البريطانية.

وعلق وزير الخارجية الروسى على تصريحات ماكرون بقوله: “إن الرئيس الفرنسى أعطى وصفًا دقيقًا للحالة التى وصل إليها حلف الناتو” !!

وكان الرئيس دونالد ترامب قد هاجم الدول أعضاء حلف الناتو، لعدم احترامهم للقواعد التى وضعت بشأن تخصيص ما يعادل ٢٪ من معدل الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء لصالح ميزانية الدفاع، وأكد ترامب على رؤيته فيما يتعلق بالتزام الدول الأوروبية الأعضاء، وقال: إن عدم التزام الدول الأوروبية، قد يكون من شأنه تعريض أمن أوروبا للخطر!!

ويعتقد المراقبون أن تصريحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، كانت مقصودة «بعد أن فاض به الكيل».. وخاصة في ظل قرارات ترامب غير المتوقعة والمفاجئة لحلفاؤه.

وكان ماكرون يرغب في اظهار اختلافه مع سياسة الولايات المتحدة الأميركية التى ينتهجها الرئيس دونالد ترامب فيما يتعلق بطريقة تعامل أميركا مع حلفاؤها، وخاصة في ظل قرارات ترامب الأخيرة التى اتخذها دون التشاور مع حلفاؤه بشأن سحب القوات الأميركية من سوريا دون إبلاغ حلفاؤه بهذا القرار مسبقًا، مما وضع القوات الفرنسية المتواجدة هناك في مأزق، نظرًا لعدم التنسيق بينها وبين القوات الأميركية المنسحبة من هناك.

بالإضافة لذلك، فإن الرئيس الأميركى، سمح لتركيا (التى تعتبر عضو في حلف الناتو) دخول الأراضى السورية، على الحدود مع الأراضى التركية دون إبلاغ بقية الحلفاء أو استشارتهم مسبقًا. ويرى إيمانويل ماكرون أن أميركا ترفع يدها عن أوروبا وتتخلى عنها بصورة تدريجية، وتحاول أن تنسج علاقات جديدة مع بعض الدول الأخرى وخاصة عملاق الصناعة والتجارة القادم «الصين».

كل ذلك، في ظل تنامى الامتداد الروسى، الذى يدافع عن مصلحته بشراسة، ويمكن أن تكون تصريحات الرئيس الفرنسى بمثابة مؤشر لإحياء الفكرة القديمة التى كانت تدور في عقل كل الرؤساء الفرنسيين السابقين، والتى تظهر ضرورة «إنشاء» قوة دفاع أوروبية مشتركة أو ما يشبه «وزارة أوروبية للدفاع المشترك» تساهم فيها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبى لتكوين ما يشبه «جيش أوربى» موحد، يتدخل في حالة الأزمات ووقت الحاجة.

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وخليفتها أنجريت كرامب كارينباور وزيرة الدفاع الحالية

غير أن ألمانيا لا توافق على موقف الرئيس الفرنسى، ولا تؤيد تصريحاته وظهر ذلك من تحفظ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على تصريحات ايمانويل ماكرون، بشأن حلف الناتو، وصرحت انجيلا ميركل: بضرورة الابقاء على حلف الناتو وعدم التشكيك في فاعليته، لأنها تعتبر أن حلف الناتو بمثابة «صمام أمان» لألمانيا وأوربا بصفة عامة، وألمانيا لا تتفق تمام مع فرنسا بضرورة إنشاء قوة أوروبية موحدة على الأقل، في الوقت الحالى.

وتتفق مع إنجيلا ميركل في هذه الرؤية خليفتها – التى ستتولى مسئولية المستشارة الألمانية بعد أسابيع قليلة- السيدة “انجريت كرامب كارينباور”، التى تشغل منصب وزيرة الدفاع الألمانية في الوقت الحالى، والتى أكدت على ضرورة دعم حلف الناتو وتحديث استراتيجيته وسياسته، مع الاحتفاظ بالدور الجوهرى الذى يقوم به تجاه أوروبا. وأكدت وزيرة الدفاع الألمانية، أن ألمانيا ملتزمة بكل شروط حلف الناتو، وأن ميزانية الدفاع في ألمانيا تمثل ٢٪ من صافى الناتج المحلى للبلاد.

وبالإضافة إلى الرؤية الألمانية، فإن عدد من الدول الأوروبية مثل بولندا ودول البلطيق تخشي من انشطار حلف الناتو أو تراجع أميركا عن تأمين تلك الدول، وتركهم فريسة سهلة «للدب الروسى» الذى ينتظر الفرصة!!

ويتساءل المراقبون السياسيون في الدول الأوروبية عن مصير المؤتمر المقبل لحلف الناتو، الذى سيعقد في لندن؟ وما هو «جو اللقاء المرتب» في ظل الشد والجذب من جانب الرئيس الأميركى، والقادة الأوروبيين؟ وكيف سيكون مستقبل الحلف، في ظل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وكيف سيخيم «البريكسيت» على هذا اللقاء الهام ؟

وليست هناك أية تصورات للصياغة النهائية للبيان الختامى لمؤتمر حلف الناتو، في ظل كل تلك المعطيات، ولكن دعونا ننتظر ونشاهد نتائج هذا اللقاء الذي سيحدد ملامح التعاون بين الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوربية.

رشدي الشافعي

المهندس رشدي الشافعي
مؤسس ورئيس تحرير جريدة «الحرية» منذ عام 2009.
بكالوريوس الهندسة المدنية «إنشاءات»
كلية الهندسة - جامعة الإسكندرية.
صحفي، مدير مكتب جريدة الجمهورية المصرية
في باريس سابقاً.
رئيس مجلس التعاون المصري- الأوربي.
زر الذهاب إلى الأعلى