هموم الجالية المصرية في فرنسا
ما أن تسمع حديثاً لأي مسئول عن جالية متواجدة في أي بلد من البلدان أو تقرأ له إجابة عن السؤال:
ما هي الأولويات التي تعطونها اهتمامكم وتأخذ منكم الجهد الأكبر؟!..
إلا وتجد الإجابة دائما – وليس أحياناً- هي : لم الشمل .. !!
نعم للأسف تظل هذه هي الأولوية في كل وقت وفي كل مكان بل وحتي يمكن أن تستمر حتي تصبح هي الهدف الذي يستحيل تحقيقه مع أنها في الأصل وسيلة لتحقيق الأهداف المنشودة .
وأسوأ ما يفسد أجواء أي عمل جماعي هادف هو تمزق الشمل وتشتيت الجهود وحدوث الغرقة وبزوغ الخلافات وفساد ذات البين … و… و… إلي أخر هذه الأمراض التي في النهاية تصيب المرء بالإحباط والفتور والقعود عن العمل وايثار الابتعاد والعزلة وعدم المشاركة.
وأنا علي يقين أن هذا الوضع لا يرضي به أحد ولن يسعد بهذه النتائج أي إنسان …. لذلك يجب أن يقف كل منا وقفة صدق مع نفسه ويصارح نفسه هل هو عامل مساعد علي توفير أجواء المحبة والتعاون والتجميع والتأليف والتحاب وإصلاح ذات البين وذلك للوصول إلي تحقيق الأهداف المرجوة .
أم هو علي النقيض من ذلك؟!
إن العمل الخدمي العام من الأعمال التي تمثل تاريخاً بالنسبة للأمم والشعوب خاصة إن كان هذا العمل في الغربة عن الوطن فهو أشد وأنفع ولابد أن نعرف جيدا أن هذا بناء ضخم يحتاج إلي جهود كبيرة وخاصة في مرحلة التأسيس والبدايات…بل يحتاج إلي جهد أجيال ولا يمكن لفرد أبداً مهما بلغ جهده أن يقوم به وحده لذلك فالتعاون هنا بديهي يجب أن يلتزم به الجميع بل فريضة.. قال تعالي ( وتعاونوا علي البر والتقوي ).
و يتعجب المرء كثيراً حينما نري بعض الأفراد يبخل بجهده مطلقاً أو يبخل بجهده في وسط المجموع ويريد أن يقوم بجهده وحده بعيداً عن التفاعل مع المجموع ولا ندري سبباً معتبراً لذلك لأن هذا لا يأتي إلا بسبب وجود بعض الحواجز النفسية التي قد تصيب الكثيرين ولكن لا نريد أن ندخل في نوايا أحد وإنما فقط نقول أنه يجب علي كل فرد أن يتخلي عن ذاته عند المشاركة في مثل هذه الأعمال التاريخية الكبري التي لا تكفيها أبدا أعمار الأفراد.
فقد يقتصر دور الفرد فيها علي المشاركة فقط في بعض الطريق ثم يأتي من يكمل المسيرة من بعده فالبناء كلما كان ضخما احتاج إلى شرف المشاركة في البناء أما إذا فكر أحد أن يقيم بناءً منفرداً فلا هو يستطيع ذلك ولا البناء سيتم أبداً ولذا حذرنا نبينا صلي الله عليه وسلم ففي الحديث (إذا رأيت شحاً مطاعاً وهويً متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فانتظر الساعة ) , لذلك علينا أن نتذكر دائما أن نكران الذات وبذل الجهد والوقت والمال وحب الإيثار هي المقدمات الأساسية العادية للوصول إلي عمل خدمي عام جماعي سليم قادر علي تحقيق الأهداف المنشودة.
وكلنا يحزن أشد الحزن وتدمع عيناه وهو يتابع أمام التلفاز ما يحدث في أكثر من بلد من مصائب كبري وفرقة وخلاف وإعجاب كل ذي رأى برأيه بل وعناد لبعضهم البعض بل العمل علي إفشال أي مشروع حتي الأقوم قائمة لأي شيئ إيجابي بل ينتقل الوضع من سيئ إلى اسوأ.. الخ وقد ضاعت بلدان بسبب ذلك وتكاد تضيع بلدان أخري بأكملها نتيجة هذا العبث والتيه والغل والعناد وعدم تصفية النفوس إلي آخر تلك الأمراض ثم سرعان ما يحدث كل منا نفسه:
لماذا يفعلون هكذا مع بعضهم البعض؟! لماذا اتفقوا علي ألا يتفقوا؟!لماذا لا تجمعهم المصلحة العامة والعيش المشترك ..؟؟؟ ونظل نطرح الكثيرين التساؤلات وعلامات التعجب …!!.
وأقول: فلابد أن ينظر كل منا إلى نفسه وفي محيط دائرة معاملاته ويجب أن يضرب المثل والنموذج فى تجميع الشتات وتآليف القلوب وتوحيد الصف ونكران الذات والذوبان في مصلحة المجموع وبذل الجهد ولسان حاله يقول:
كونوا جميعا يا بني إذا اعتري
خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبي العصي إذا اجتمعن تكسراً
وإذا افترقن تكسرت آحادا
ويجب أن نتذكر جميعا أن نجاح أي فرد في أي مجال من المجالات هو نجاح للمجموع كله وفخر للمجموع كله وكلما زاد عدد الناجحين والمبدعين والبارزين وأصحاب القدرات المختلفة في شتي النواحي المختلفة كلما كان هذا في قمة الفخر والنجاح للمجموع كله ورفع من قدر وقيمة المجموع كله .
فلا مكان إذا للغل أو الحقد أوالحسد أو للانتقاص من قدر وقيمة أحد .
ولنعلم أن إدخال السرور على قلب كل إنسان هو من الفرائض التي أمرنا الله عز وجل بها وأمرنا بها نبينا صلي الله عليه وسلم وكذلك شكر الناس فمن لم يشكر الناس لا يشكر الله فلنحاول بقدر الإمكان أن نفعل ذلك لأنه ما أن يكون هناك أي عمل إلا وسرعان ما تكثر (اللاكنات) التي تكون جاهزة عند أصحابها مثل: لكن كذا … لكن لو كان تم كذا أو كذا؟! لكن لو تم تأخير هذا وتقديم ذاك؟! لكن لو لم يكن هناك كذا وكذا؟!
إلي أخر هذا السيل الجرار من اللاكنات التي تصيب بالإحباط وتدخل الفتور إلى النفس مما يدفع إلى القعود عن العمل..
أيها الأماجد ونحن في غربتنا علينا أن ننفض عن أنفسنا غيار الكسل والفتور و ننبذ الفرقة والتشتت وليدفع كل منا الآخر إلى الجد والاجتهاد والإحسان والأبداع وليعزز كل منا نفسه بالأخر ولننطلق متحدين معا لنصنع الحياة وننصهر جميعاً في بوتقة حب الوطن وما أغلاه من حب ونلتقي جميعاً مع اختلاف الأفكار والمشارب علي تحيا جمهورية مصر العربية .
ولنتذكر دائماً أنه من لم يزد علي الدنيا شيئ … فهو عليها زائد ونتذكر قول الإمام الشافعي رضي الله عنه:
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
وتحيا جمهورية مصر العربية….
ونسأل الله التوفيق والسداد والله من وراء القصد فهو نعم المولى ونعم النصير.
عبد الرحيم الخولي
أمين عام مجلس التعاون المصري الأوربي