الرأي الحر

العربي المهاجر بين عالمين … في مهب الريح

مصطفى كمال الأمير

هناك مقولة شهيرة من حكيم أفريقيا المناضل الراحل نيلسون مانديلا عندما قال:
“إني أتجول بين عالمين أحدهما ميت و الآخر عاجز أن يولد وليس هناك مكان بينهما حتى الآن أريح عليه رأسي”

هذه الجملة تلخص ربما حالة المهاجر العربي الي الغرب في رحلة شاقة طويلة وبعيدة عن جذور الوطن الذي يعيش الآن ضياع أحلامه وأحلك أيامه بعد ضربات الإرهاب الدولي الأخيرة في اوروبا ٢٠11 وأمريكا في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ والتصاقها بالعرب والمسلمين دائماً.

من الصعب التحديد بدقة توقيت بدء الهجرة العربية للغرب ولكنها على أية حال بدأت منذ ما يزيد عن مائة عام، وقد بدأت من بلاد الشام سوريا ولبنان وفلسطين، ومن اليمن أيضا… فهاجروا أفرادا وجماعات للبحث عن حياة أفضل واستوطنوا في الأمريكتين شمالا وجنوبا واندمجوا تماما ببلدانهم هناك حتى الجيل الثالث والرابع منهم، وحقق عدد منهم نجاحات كبيرة هناك، حتى أنهم نجحوا في الوصول للرئاسة في بعض البلدان، مثال لذلك: كارلوس منعم في الأرجنتين وعبدالله كرم، ورينيه معوض في الإكوادور.

كان هناك أيضا مبدعين، كالشاعر جبران خليل جبران والمغنية الكولومبية الشهيرة “شاكيرا”، وهي من أصول لبنانية، والامريكي الراحل، “ستيف جوبس” المعروف بتطويره للأي فون بشركة أبل الأمريكية وهو من أصول سورية والده كان يدعى عبد الفتاح جندلي، ووالدته من أصل سويسري، والغريب أن والدته حملت من السوري عبد الفتاح سفاحا، ورفضت أسرة الأم السويسرية (جوهان كارول شايبا) زواجها من الأب السوري، فاضطرت الأم إلى البحث عن أسرة تتبني وليدها، فتبناه الأميركي بول رينولد جوبس، ومن هنا كان أسمه.

وهناك أيضا “كارلوس غصن” رئيس شركة رينو نيسان كبري شركات صناعة السيارات وهو من أصل لبناني- والذي يقبع حاليا في السجن، والمكسيكي من أصول لبنانية “كارلوس سليم”، الذي يعتبر حاليا من أغني أغنياء العالم وأيضا المليونير المصري “محمد الفايد” في بريطانيا وآخرون يصعب حصرهم ويضيق بهم المقال والمقام.
وهذه بعض الأمثلة، غير أن نجاح كل هؤلاء لا يعتبر كظاهرة عامة بالنسبة للسواد الأعظم من المهاجرين العرب.

وكانت القارة الأوربية قد شهدت موجة من الهجرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وخاصة في ظل احتياجها للأيدي العاملة الرخيصة لتعمير وبناء أوروبا في برنامج التعمير الذي أطلق عليه أسم “مشروع مارشال” الامريكي بعد الدمار الذي شهدته العديد من المدن الأوربية أثناء الحرب العالمية، فأتوا بالعمال من جنوب أوروبا (اسبانيا وايطاليا واليونان والبرتغال) وأيضا من بعض الدول العربية مثل المغرب وتونس والجزائر، وغيرها من دول المستعمرات الأوروبية السابقة في آسيا وأفريقيا.

ويذكر أنه كان قد طلب من الرئيس جمال عبد الناصر توريد عمالة مصرية لبعض الدول الأوربية، ولكنه رفض ذلك تماماً !! وربما كان محقا وقتها لأن مصر علي مدار تاريخها لم تكن أبدا طاردة لأبناءها، بل جاءت إلى مصر أعداد كبيرة من المهاجرين فرا من الحرب في أوربا، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من اليونانين والأتراك والأرمن والشوام والسودانين والمغاربة.
ولكن دورة عجلة الزمن دفعت المصري في السنوات الأخيرة، للعمل بالخليج والأردن والعراق وليبيا وحتى الهجرة غربا لأمريكا وأوروبا.

عودة لأوروبا الغربية، فأنه بعد أن تم تعميرها وبنائها بعد الحرب وتحسن الحال في جنوبها عاد المهاجرون الإيطاليين والاسبان والبرتغاليين إلى بلادهم، وتبقي فيها المغاربة والأتراك بثقافتهم ومساجدهم وأسواقهم، ومن هنا ظهرت التيارات اليمينية العنصرية في كل اوروبا، مثل حركة بيجيدا في ألمانيا وماريان لوبان في فرنسا ويورج هايدر في النمسا (هانس يانمات، بيم فورتن، هيرسي وفيلدرز في هولندا) ونجحت بعض تلك الأحزاب العنصرية في الوصول للمشاركة في الحكم، يدفعها شعار وحيد هو كراهية الإسلام والمسلمين وموالاة اسرائيل، لإحساس الأوربيين بعقدة الذنب تجاههم أثناء الحرب العالمية الثانية.

يظهر الآن سؤال كبير عن مستقبل الهجرة العربية في أوروبا لأن وضع المهاجرين العرب الآن ليس مثاليا فمثلا في هولندا نسبة المسلمين لعدد السكان يقارب 6% ولكن نسبتهم في السجون تزيد عن 60 % !!! كذلك الحال في فرنسا واسبانيا وايطاليا، وهذا الخلل الكبير يجب علي وزارات الهجرة وعلماء الدين والاجتماع إصلاحه بخطوات عملية.

مشكلتنا أننا نتكلم كثيرا ولا نفعل شيئا لتوصيل صوتنا وقوتنا للاستفادة من عشرات الملايين من المسلمين المهاجرين في الغرب، لا سيما في فرنسا التي بها أكبر جالية مسلمة بأوروبا، وبريطانيا أيضا من باكستان والهند ودول آسيا وأفريقيا، ثم ألمانيا التي يتواجد فيها ملايين الأتراك المسلمين، هذا بالإضافة إلى اسبانيا وايطاليا وبلجيكا التي يتركز فيها وجود مغاربي كبير جدا.

علينا أن ننظم صفوفنا من أجل تحديد الأفق الجديد للتعاون لتكوين جماعة ضغط علي غرار “الايباك” بتنظيم اجتماع دوري للتشاور وتبادل الرؤى والخبرات وللضغط علي صناع القرار من الساسة خصوصا في بروكسل عاصمة أوروبا الجديدة وقلبها النابض لوجود مقر الناتو والاتحاد الأوروبي بهيئاته.

ولنتفاءل أن أعداد أبناء المهاجرين من الأجيال الجديدة قد بدأت بالتزايد في الجامعات والمعاهد العليا والتميز في مهن راقية مؤثرة وفي مجالات فنية ورياضية أيضا من أشهرهم زين الدين زيدان وغيره الكثير ممن حققوا نجاحات متميزة.

للإيجاز فقد بدأت الهجرة العربية أولا بالأيدي العاملة فيما يعرف بهجرة السواعد لبناء اوروبا ثم بالعقول والكفاءات العلمية الجامعية فيما يسمى بهجرة العقول وانتهاء بالأموال والرساميل العربية الهائلة التي تدير عجلة الاقتصاد في العالم حاليا وخاصة في أمريكا وأوروبا حتى شراء أندية كرة القدم المفلسة، بدون الاستفادة الحقيقية للعرب من حشد خير هذه الموارد والطاقات لخدمة بلادنا الأم، غير أن تكون مجرد محطة كبري للوقود في العالم الجديد بعد أن كانت مقر قيادة ومنارة العالم القديم ..

__________________________

مصطفي كمال الامير
أمستردام – هولندا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى