7 يناير … ليس الحل ..!
الذين يعرفوننى يعرفون أننى لست من الذين يصنفون الناس بقدر دينهم ولا بقدر غناهم او جاههم، بل فقط بقدر مساهمتهم ومواقفهم الإنسانية ، ولذلك قررت أن اكتب ما خال بفكرى فى هذا الموضوع الذى يعتبره معظم الناس موضوعا حساسا.
وتعجبت عندما قرأت وسمعت ورأيت المسئول بعد الآخر والكاتب بعد الآخر وهم يطننون بفطنة هذا الاختراع، ألا وهو إعتبار يوم 7 يناير (عيد الميلاد المجيد) عطلة رسمية للجميع فى جمهورية مصر العربية بقرار من رئيس الجمهورية. اعتبره البعض مبادرة شخصية تاريخية لتجنب وقوع فتنة طائفية ، واعتبره د. مصطفى الفقى ” قرار مسح الغبار عن الإسلام الصحيح وإنصافا للاسلام ” (أخبار اليوم 2/12/2002).
وتعجبت وانتظرت أن أسمع ولو كلمة أو رأيا واحدا يقترب من قريب أو بعيد عما خال بفكرى ولكن دون جدوى ، ووجدتنى حبيس هذا الراى الوحيد ، وانتظرت حتى نهنأ بالعطلة ونهدأ ونفكر مرة ثانية.
ولاشك أن مثل هذا القرار يعد فى الظاهر قرارا لطيفا وسخيا ولابد أن يحوذ إستحسان الجميع ، إلا أنه قرار غير عملى وغير طبيعى.
قرار غير عملى لأن فيه خسارة لأكثر من 85 % من انتاج البلاد فى الوقت الذى نحن فى أمس الحاجة إلى المزيد من الأنتاج ، وهو قرار غير عملى لأنه يحرم المسيحيون من قضاء إجازتهم أكثر خصوصية وأقل ازدحاما ، وهو قرار غير عملى لأن يوم 7 يناير سيقع كل اربعة سنين موافقا لعطلة ايام الجمعة والسبت والأحد .
وهو قرار غير طبيعى لأن اختلاف الديانات من بين الاختلافات الطبيعية مثلها مثل إختلاف العقيدة والمذهب واللون والرأى ….، لايصح أن يكون سببا فى تفرقة أو خلاف بين أبناء الوطن الواحد وبعضهم.
إن الشعور تجاه الآخرين والتعايش معهم لابد أن ينشأ وينمو طبيعيا داخلنا وليس فى يوم معين من السنة وليس مصادفة من قرار سياسى أو من مبادرة من هنا أومن هناك .
وهو قرار غير طبيعى لأن قبوله وإستتبابه لابد أن يؤول بنا إلى فكر المساومة السياسية فى مثل هذه الأشياء ، فلم لا عطلة رسمية لأقليات اخرى لها دين او مذهب او عرق آخر، ولم لا تكون حصة المشاركة فى الحكم والسلطة بالنسبة العددية للأقليات المختلفة ، وهكذا …. لنتوه فى صراعات داخلية لا نهاية لها.
أتذكر طفولتنا القريبة البعيدة جيلنا، وربما جيل بعدنا لم نفكر مطلقا فى مثل هذه الاختلافات، لم نفكر ما إذا كان جيراننا مسيحيين أو مسلمين وكذا زملاؤنا فى المدرسة وطبيب العائلة والفنان والوزير والغفير. لم أفكر ولأكثر من خمسين عاما لماذا كانت تأخذنى جدتى (المسلمة والمتدينة قلبا وقالبا) من حين لآخر إلى كنيسة العذراء أراقبها وهى تتمتم بالدعاء ثم نشعل شمعة ” لستنا مريم .”
الحل أن نعود إلى داخلنا إلى طبيعتنا إلى تاريخنا إلى أدياننا السمحاء وإلى مصريتنا التى دامت آلاف السنين حتى نستطيع أن نقف امام هؤلاء الذين يطننون بالوحدة الوطنية ويستغلونها سياسيا من أجل موقف تاريخى أو مبادرة من هنا أو من هناك.