نحن لم نولد أحرارا ..!
نحن جميعنا بدون استثناء ولدنا على دين آبائنا وأمهاتنا ولم نختار ديننا، جميعنا لم يكن لنا أى حرية فى أختيار عقيدتنا. وكنا مرغمين على قبول ما قدم لنا على أنه أفضل ما فى الوجود، ومرغمين على أن نتبنى الثقافة والبيئه الاجتماعيه التى تحيط. جميعنا بدون استثناء نشأنا تلقائيا متأثرين بعادات وتقاليد لانستطيع رفضها أو تغيرها لأنها مفروضة علينا ولا نعرف غيرها.
نحن لم نولد أحرارا ولامتساوين كما نردد، ولدنا مرغمين على من نحب وعلى من نكره وعلى من نعادى. تشكلت هويتنا على أسس ربما خاطئة وعلى أسس ربما لا تستجيب لها جيناتنا الوراثية وطبيعة تركيبتنا البيولوجية، ولكن مع الوقت تدهس هذه الجينات والتركيبات دهسا لتتكيف مع المحيط الذى أرغمنا أن نعيش فيه. نحن لا نختار حتى طوائفنا عندما ننضج لأننا نولد في بيئه اجتماعيه تتبنى رأيا طائفيا فقهيا معينا لنجد أنفسنا مرغمين على تشرب هذا الفكر بشكل تلقائي لارتباطنا الوثيق والعاطفي بالمجموعه الإنسانيه التي ننشئ في محيطها.
يقول الفيلسوف الدانماركي سورن كيركاجورد: لقد قذفت فى جوف الوجود وكأنما اشتريت من محتال ملعون.
فى البلاد الأسكندنافية يدرس الاطفال فى مراحل التعليم المختلفة تاريخ جميع الديانات السماوية والأرضية بدرجات متساوية تسمح للطفل حرية الأختيار للدين الذى يرغبه عندما ينضج.
بالطبع هذه التجربة لم تنجح نجاحا كاملا لضرورة التخلص تماما من المحيط الذى يمكن أن يؤثر على حرية هذا الأختيار، وربما يحتاج ذلك لعشرات من السنين عندما يرقى الوعى الإنسانى لهذه الدرجة.
عندها يمكن للعائلة الواحدة أن تمثل أطياف الأديان المختلفة ليتمتع كل فرد فيها بدين مختلف عن أبوه أو عن أمه أو عن أخته وأخيه وعن عمه وجده …وهكذا.
تماما كما يتمتع كل فرد بتذوق موسيقى أو ملبس أوخيال خاص به مختلف عن الآخر. وبالقطع سيؤدى ذلك إلى تعايش العائلة الواحدة فى سلام ومحبة وأحترام بأفضل المشتركات بينها، والتغاضى عن الأختلافات.
وإذا عاشت العائلة فى سلام فحتما سينجح المجتمع وستنجح الأمم فى تعايش سلمى بدون صراعات أو حروب بسبب هذه الأختلافات. هكذا هم يطمحون فى المستقبل.
كثير من خبراء الاجتماع والمحللين يرون أن جميع الأديان المكتوبة وغير المكتوبة، المنزلة من السماء أو النابعة من الأرض، كلها جاءت لتدعو الإنسان إلى الخير وتعلمه الثواب والعقاب ولتكون نبراسا ومعيارا يضئ دهاليز الظلام، جاءت لترسخ قوانين ومعايير ومحاذير دنياوية وحياتية فى تلك الفترات الزمنية كبديل لما هو فى العصور الحديثة من القوانين المدنية والحقوقية والدساتير وغيرها.
ولا ينكر أن الأديان ساهمت ولعصور طويلة فى كثير من التوازن النفسى الإنسانى، واستطاعت رسالاتها خلق معنى للحياة ونشر مبادئ واخلاقيات وقيم إنسانية سامية فى هذه الفترات.
ولكن فى المقابل خلفت الكثير من المساوئ عندما أستطاع مؤسسى الديانات أستثمارها على مر العصور بغية التحكم بمصائر الناس والجماعات مستغلين حاجة الإنسان لحماية من الظلم أوالقهرأوالموت أوالمرض أوالفقر ، وفي سبيل السيطرة على العقول والسلوكيات والمصادر الاقتصادية والسياسية.
وخلفت الحروب الطاحنة على مدى العصور والصراعات بين الأديان والمذاهب وبين طوائف الدين الواحد، وحتى بين جماعات الطائفة الواحدة في كل جزء من أنحاء العالم.
ورغم ذلك يصرالخبراء على أستمرارالتمسك بالأديان على أنها صمام لأمان العالم حتى لايفقد المؤمنون توازنهم النفسى وأيمانهم الذى ولدوا عليه، وحتى لا يفقد البسطاء والفقراء الأمل فى حياة أفضل فى الجنة التى وعودوا بها مقابل تحمل كل هذه المعاناه والمصاعب فى حياتهم الدنيوية.
ولكن ونحن فى القرن الواحد والعشرين، عصر التكنولوجيا والحقائق العلمية، حيث أصبح هناك وعى يفرق بين المكون الدينى العقائدى الذى يستند إلى الديانات والمعجزات والغيبيات وبين المكون الوجودى الأخلاقى الذى يستند إلى العلم والعقل والضمير. أصبح من الواجب الإنساني والأخلاقي أن نعمل على تحريرالإنسانية من الجهالة الدينىة والخزعبلات والخطاب الدينى الذى عفى عنه الزمن والذى لا يتوافق مع العقل ولا العصر.
بمعنى أنه لابد من أنقاذ هؤلاء البسطاء من الأوهام التى يعيشونها. هؤلاء المخدوعين الذين يعيشون الجهالة بعيدا عن واقع الحياة. الذين يعتقدون أن الله أختارهم خصيصا دون شعوب الدنيا وبكاءهم امام حائط المبكى سيقربهم من الله. هؤلاء الذين يعتقدون أن عيسى جاء بغير ملامسة بشرية ويعيشون صورة مكررة من أساطير الفرس وقدماء المصريين قرونا قبل نزول الديانات السماوية. هؤلاء الذين يحملون رموزا وايقونات دينية وبعتقدون أنها ستحميهم من الشرور والمؤامرات. هؤلاء الذين يشعلون شموع فى دور العبادة ويعتقدون أنهم يغسلون زنوبهم. هؤلاء الذين يتواكلون ويعتقدون أن هناك من سيرزقهم ويسهر على سلامتهم.
هؤلاء الذين ينجبون المزيد من الاطفال ويعتقدون أن رزقهم سيولد معهم. هؤلاء الذين يعتقدون أنهم سيموتون شهداء لأنهم يدافعون عن الدين وعن الله. هؤلاء الذين يعتقدون أن الموت والمرض قدر لا يتدخل فيه الإنسان، هؤلاء الذين يصرون أن الخلق بدأ منذ ستة ألف عام بينما الحفريات أثبتت وجوده منذ أكثر من مليون عام . هؤلاء الذين يعتقدون أن دينهم هو أفضل وآخر الأديان، ثم هؤلاء الذين يصدقون أنهم ولدوا أحرارا.
على المجتمع العالمى أن يختار بين أن يولد الإنسان حرا من جديد عندما يصبح له حرية الأختيار لدينه متى شاء وكيفما شاء ولتكون علاقته مع الله الذى يختاره علاقة خاصة لاجهر فيها ولا تكفير للآخر. أو أن يولد عبدا ويموت عبدا كما هو الحال الآن.