ثقافة

الفيلسوف الدانماركي “سورن كيركاجورد”…Søren Kierkegaard

دراسة وتقديم: مهندس/ محيى الدين غريب

شخصيات

يقول الفيلسوف الدانماركي سورن كيركاجورد :
الهدف من البحث عن الحقيقة هو ان تعيش فيها لا ان تفكر فيها !
لقد قذفت فى جوف الوجود وكأنما اشتريت من محتال ملعون !

يعتبر الفليسوف الدنماركى سورن كيركاجورد ( 1813 – 1855) المؤثر الأعظم فى وجودية القرن العشرين ومن أعظم الساخرين العقليين والناقدين الفلسفيين فى تاريخ الأدب الحديث .

ظهر الأهتمام به منذ الحرب العالمية الثانية وبظهور مبدأ الوجودية وبعد موته بما يزيد عن نصف قرن .

ولد سورن كيركاجورد فى سنة 1813 فى منطقة نيوتورف كوبنهاجن ، وهو أصغر سبعة أخوات ، أطل على الحياة بصحة سيئة وبساق مشلولة ، كان نحيلا مهزوزا دينى الطبع.

تأثر بأبيه كثيرا حتى انه ورث عنه نقصه العاطفى وخلله العصبى وعدم استقراره فى الحياة .
تمكن منه البؤس فشب لايثق فى الحياة فجاءت فلسفته او (لاهويته) مزيجا غريبا من البصيرة النافذة والزيف .

سورن كيركاجورد

فى سنة 1840 خطب “رجينا أولسن” فتاة فى السابعة عشر ثم انفصلا بعد سنة بسبب حالته ، وكتب إن مبرر  تركه لها لم يكن إلا نوع من “التضحية” ، وقارن هذه التضحية، بتضحية ابراهيم بأبنه اسحاق (لايقر الأنجيل أن التضحية كانت بالإبن إسماعيل)، وهو لا يجد غضاضة فى التوفيق بين الفردية والذاتية إذ يرى  إن طاعة إبراهيم للأمر الآلهى بذبح أبنه كان تحقيقا لذاتيتة..!! رغم أن ذلك خطيئة شنعاء.

يشترك “كيركاجورد” مع الفيلسوف الألماني”نيتشه” فى نقده وتقززه من العالم البرجوازى المنافق التقدمى ، وفاق “نيتشه” فى تحامله على المسيحية التاريخية ( وهو المؤمن بالمسيحية ) بوصفها، انها مجرد نظام رسمى يقف فى وجه التقدم الروحى للفرد المسيحى..!

لم يكن لسورن كيركاجورد نظرية واضحة يدافع عنها أو مذهب محدد يعرضه بقدر ما لديه من مسلك فى الحياة يحاول التعبير بأحساس واقعى عن موقف يعتقد انه له أعظم الأهمية إلى الخلاص الفردى. فكان ما يهمه هو دلالة الحياة أكثر من كونه معنى الوجود حيث تنتهى نتائج مذهبه الأنتولوجيه ( مبحث الوجود ) إلى موقف عملى لا نظرى ، وهذا ما يبعد فلسفته بعض الشئ عن الفلسفة الوجودية .

ففى رأى “كيركاجورد” أن المرأ لايدرك معنى ومغزى وجوده الخاص، إلا فى حالة الأزمة الأنفعالية العنيفة ، أو فى فترات التوتر الشديد عندما يصبح القلق ميتافيزيقيا ، عندما يواجه المرأ خطر انعدامه ، لا من حيث ان هذا الأنعدام مجرد امكانية ، بل من حيث انه حقيقة واقعة وعندئذ فقط يقرر المرأ نهائيا ان يعيش او يموت ، ان يكون او لايكون .

كان اهتمام “كيركاجورد” مركزا على العقلية المتأزمة ، ليس إهتماما نفسيا أو أدبيا وإنما هو إهتمام دينى وميتافيزيقى ، إذ أنه يرى أن تعريض النفس للأزمات الشديدة هى الوسيلة الوحيدة لمعرفة ما يعنيه وجود المرأ من عدم وجوده .

كان يؤمن بأن الهدف من البحث عن الحقيقة هو أن تعيش فيها لا أن تقكر فيها . ولأنه كان دينى الطبع فإنه رفض أى فلسفة بإسم الدين ، دين متشائم من صنعه هو لإعتقاده بأن المسيحى هو الذى يعى أن التصاقه الشديد بالله يعنى الإساءة إلى نفسه ، فأن تكون مسيحيا هذا يعنى أن تموت من أجل العالم ثم تصلب ، من ” مذكرات يومية ” سنة 1851.

فى روايته “مراجعة” كتب كيركاجورد : “يضع الإنسان منا اصبعه فى تربة الأرض فيتعرف على الأرض التى ينتمى إليها من الرائحة التى يشمها ، واضع أنا اصبعى فى الوجود فيأتى عبيره باللاشئ فأين أنا ؟ ومن أنا وكيف جئت هنا ؟ وما هذا الشئ الذى يسمونه الكون ؟ وكيف وجدت فيه ؟ لماذا لم أسأل ولماذا لم أؤهل لأفهم طبائعه واتطبع بها ؟ لقد قذفت فى جوف الوجود وكأنما اشتريت من محتال ملعون !! واذا كنت مرغما على تمثيل دور ما فيه ، فأين هو المخرج ؟ كم أود أن أراه”.

ويمكن اعتبار هذه الكلمات بداية الفلسفة الوجودية اذ أنها تطرح السؤال الاساسى الذى تناوله فلاسفة آخرون بعده مثل “هيجل” و”هورسل” و”هيدجر” ثم “سارتر” .

كان كيركاجورد يعتبر العدو الأول لفلسفة “هيجل”. صادف كتب “هيجل” فى محل لبيع الكتب المستعملة فقرأها بطريقة غير مباشرة ، وبعدها اتهمه بأنه عقلانيا بلا قلب وان الروح الموضوعية فى فلسفته تستند على التضليل الأنتولوجى الذى يصرف الناس عن مواجهة الحقيقة الاساسية التى يتعين عليهم مواجهتها ، الا وهى وجودهم الواعى .

وفى رأى كيركاجورد ان فلسفة القانون عند “هيجل” إنما هى إنجيل يصلح لإنسان آلى جامد فقد الاحساس بصفته الذاتية ، إنسان قنع بالعيش سلبيا كمجرد موظف فى الدولة والكنيسة والأسرة .

هاجم حرية الصحافة بالنسبة للمسائل العامة. وهاجم بعنف ” ه. س. أندرسن” خاصة فى كتابه “لاعب واحد فقط” لافتقاد رأيه حاسة الحياه .

كتب عن أبوه “إن سنه الكبير لم يكن شئ آلهى مبروك وإنما كان اللعنة التى حملتها اسرتنا فى قدرتنا الروحية السوداوية فى تجريح بعضنا البعض”.

لم يقف مرض كيركاجورد العصبى وأوهامه فى طريق كتاباته العبقرية التى تعتبر جديرة بالاهتمام بالرغم من عدم موضوعيتها تماما ، ومع ذلك فهو عبقرى لأنه جاء بفلسفة ترمى إلى القضاء على كل الفلسفات مؤكدا نفوره من اللاهوت والميتافيزيقيا العقليين .

ولقد اتهم بالنزعة المرضية لأنه لايحاول إثبات وجهة نظر معينة ، ولأنه لا يدعم رأيه بأى حجج وأيضا لأنه اخطأ فى فهم “هيجل” .

ومع ذلك فإن مجيئ كيركاجورد صبغ فلسفة القرن العشرين ليعيدها إلى الثنائية الإغريقية القديمة ولم يكن غموضه الدينى إلا رأيا مقنعا ” لسقراط ” ، يزعم فيه أن الجسد عدو التفكير الخالص ، لهذا إعتبر أن الهدف السامى للفلسفة هو الموت .

وما زال الجدل دائرا حول المزايا الكامنة لأفكار كيركاجورد الفلسفية .

محي الدين غريب

كوبنهاجن – الدنمارك

محي الدين غريب

مهندس/ محي الدين غريب
كوبنهاجن - الدانمارك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى