ثقافة

مراجعة نقدية لكتاب د. علاء الأسوانى: ها أنا أركض نحو النيل (جمهورية كأن)

علاء الأسواني

مرة رابعة وليست الأخيرة، تستضيف العاصمة كوبنهاجن فى 15 نوفمبر2019 الروائى الكبير د. علاء الأسوانى لتوقيع روايته “Jeg løb mod Nilen” أو ” أنا اركض نحو النيل” عن الرواية الأصلية له بعنوان “جمهورية كأن”.

لا أعرف السبب وراء اختيار هذا العنوان، الذى هو بالقطع جاذب ومختلف. ربما أراد الأسوانى أن يستثير منه بعض الإيحاءات، مثل الركوض واللهث وجريان المياة، ورمزالنيل الخالد والأمل……، للتنويه عن محتوى الرواية.

أعتقد أن الأسوانى بهذه الرواية قد أحسن إختياره للتوقيت الزمنى لكى يستعرض هذا العرض الوثائقى لاحداث ثورة 25 يناير، فبعد مرور ثمانية أعوام تأكد الجميع أن المؤسسة العسكرية والنظام القديم، عازمان ولاشك على طمس هذه الثورة الشعبية أمام حجج واهية، بإعتبارها مؤامرة حبكها المخربيين الخونة ضد مصر.

وكان الاسوانى قد أضاع فرصة تاريخية فى 2014 للتواصل مع قراءه، عندما فضل نشر روايته “نادى السيارات” والتى تدور احداثها فى حقبة الأربعينات والخمسينات من القرن الفائت، بدلا من الكتابة عن ثورة 25 يناير وعن أحداث الفترة الراهنة حينذاك.

د. علاء الأسواني والمهندس محي الدين غريب في إحدى زيارات الأسواني لكوبنهاجن

مرة أخرى ساهمت سلاسة لغة الرواية وربما عدم تسلسلها التقليدى وحرفية الإنتقال بين الموضوعات فى الوقت المناسب، ساهمت فى المزيد من التشويق، وإلى ترجمة ناجحة إلى اللغة الدنماركية التى تعد لغة صعبة وليست غنية بالمفردات كاللغة العربية، إضافة إلى أختلاف الثقافة.

ومرة أخرى استطاع الأسوانى كسر حاجز الخوف بالخوض فى الكتابة عن الموضوعات المحرمة الخاصة، واستطاع أن يتناول موضوع الجنس بنفس البساطة التى يتناول بها المواضيع الاجتماعية الأخرى، واستطاع أن يستدرج القارئ ليسمح له طواعية تعريته أمام نفسه وأمام المجتمع بدون حرج.

ولا تزال المقارنة قائمة بين علاء الأسوانى والروائى الدنماركى لايف باندورو Panduro Leif ، فى تناوله موضوع الجنس وفى قدرته على أن يحصل القارئ على نفس الدقة والقيمة الفنية فى متابعة شخصيات رواياته، والتغلغل بحرية داخل القارئ. ويتصادف أن باندورو كان أيضا طبيب أسنان، ولكن قبل الاسوانى بأكثر من ثلاثين عاما.

وعلى خلاف روايتاه ا”نادى السيارات” 2014 و”شيكاغو ….. ليه” 2008، حيث كانت الاستفاضة في مواقف الجنس وفى التفاصيل الإباحية طاغية بكل المقاييس. إلا انه فى هذه الروايته استطاع من البداية أن يشد إنتباه القارئ نحوالتقاليد البالية وفساد الحكام والجمود والاستبداد السياسي والتدين الزائف وقمع الشعب، ثم تأتى فى خلفية المشهد بعض المواقف الجنسية والتفاصيل الإباحية دون أن تطغى على المضمون.

إستطاع الأسوانى أن يجند شخصيات الرواية نيابة عنه لتعبروتوصف تفاصيل كثيرة فى قضايا التحولات الاجتماعية والنفسية والسياسية التي طرأت على المجتمع المصري، وبتفاصيل دقيقة وصادمة عن الواقع الذى دفع إلى ثورة 25 يناير، فى مشاهد رأينها ولانزال نذكرها جميعا من تلك الفترة.

محي الدين غريب

أن شخصيات الرواية مثل اللواء علوانى والمهندس أشرف وأسماء وأكرام وخالد ونورهان وغيرهم، شخصيات موجودة فى المجتمع بكل تفاصيلها. أما شخصيات مثل مدنى السواق والاستاذ زناتى فهى تجسد قطاع عريض من المجتمع وليس فقط بين الفقراء، توصف بالتواكل والتذلل وقبول مايفرض عليه والتخازل والتملق من أجل لقمة العيش، وما إلى ذلك.

استطاع الأسوانى أن يعرض المشاكل الحقيقية لهؤلاء بكل قساواتها وخصوصيتها، وكان فى محاولة دائمة لإتاحة فسحة للقارئ بين سطور كتاباته أن يتحاور مع نفسه حتى يعيد صياغة المعنى بالمفهوم الذى يرضى عنه ويقبله.

كان هناك بعض المبالغة والتجنى على المرأة المصرية فى مقدمة الرواية، على أن هدفها فقط هو خداع الرجل. ولكن الحقيقة أن المرأة فى أى مكان ومنذ الخليقة الأولى تتوارث جيناتها الأنثوية التى تفرض عليها السعى إلى خداع الرجل من أجل ضمان بقاءها وحمايتها.

تنوع هذا الخداع واختلاف أشكاله من حضارة إلى أخرى، ومن ثقافة إلى أخرى، هو بسبب إختلاف الديانات والعادات والتقاليد.

الرواية ولا شك تعد توثيقا هاما وتفاصيل واقعية لأحداث ثورة 25 يناير 2011.

بالرغم من كثرة شخصيات الرواية وتشابك الأحداث، استطاع الأسوانى ببراعة السيطرة عليهم وربطهم بأحداث الرواية خلال أكثر من 500 صفحة للكتاب.

ربما يفتقد القارئ بعض التواريخ الحقيقية للربط بين أحداث الرواية، وبعض الرسوم الكاريكاتورية بين الفصول؟ ربما.

بالطبع فى الترجمات، خاصة للغات ذات الثقافة الغربية، يصعب نقل المعانى والمفاهيم ومابين السطور نقلا كاملا. فمثلا بعض الكلمات فى الثقافة الشرقية تعتبر سبا، وبعض السلوكيات يعتبر مهينا، ولكن لايعتبر ذلك فى الثقافات الغربية بنفس القدر.

الأقبال الكبير من الغرب ومن الدنمارك على قراءة هذا النوع من الرواية، ربما بسبب الرغبة فى الأنفتاح على الثقافة العربية بصفة عامة، أو ربما الرغبة فى تشجيع حرية التعبير، ولكن الأكثر ترجيحا بجانب ذلك هو الفضول لمعرفة الخبايا الجنسية ودوافعها فى المجتمعات الشرقية والإسلامية خاصة.

محيى الدين غريب

كوبنهاجن فى 22 اكتوبر2019

محي الدين غريب

مهندس/ محي الدين غريب
كوبنهاجن - الدانمارك
زر الذهاب إلى الأعلى