ثقافة

ما بين رهان “باسكال” .. ورهان العقل …

دراسة وتقديم: مهندس/ محيى الدين غريب

مهندس محي الدين غريب

يعتمد العالم الفرنسي “بليز باسكال” – الفيزيائي والفيلسوف اللاهوتي الفرنسي- فى رهانه وحجتة المبنية على نظرية الاحتمالات، على أن الخالق إما موجود أو غير موجود.

ولد “بليز باسكال” في مدينة “كلير مون فيران” في وسط فرنسا في مقاطعة “الأوفيرن” في 19 يونيه عام 1623 وتوفي في 19 أغسطس 1662 في باريس، وعمره لا يتجاوز39 عاما.

ويعتبر بليز باسكال أحد العلماء من المشاهير في مجالات الاختراع وعلوم الحساب والفيزياء والفلسفة، وترك بصمات واضحة في هذه المجالات.

بورتريه للفيلسوف الفرنسي “بليز باسكال” الموجودة في قصر فرساي بباريس

وكان من قبله أبو العلاء المعري الذي قال : ” زعم المنجم والطبيب كلاهما: لا تبعث الأموات ، قلت : إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر، أو صح قولي فالخسارة عليكما “.

وطبقا لنظرية باسكال والمعري،فإن كان الخالق موجوداً وآمنت به فسيكون جزاؤك الخلود فى الجنة ولن تعاقب، وهذا مكسب مادى لامحدود. وإن كان موجوداً ولم تؤمن به فسيكون جزاؤك الخلود في جهنم، وهذه خسارة مادية لامحدودة.

بليز باسكال

إن لم يكن موجوداً وآمنت به، فقد اضعت وقتك عبثا لأنك لن تجزى على ما فعلت، وخسارتك غير مهمة لأنها محدودة.
وإن لم يكن موجوداً ولم تؤمن به، فلن تخسر شيئاً ولن تعاقب، وستكون قد عشت حياتك، وربحك غير مهم لأنه محدود.

واستنتج باسكال من حجته أن “الإيمان بالخالق” هو “الخيار الأفضل” مقارنة مع عدم الإيمان به.

ونقد هذا الرهان أن شرط الإيمان هو اليقين وليس الرهان والترجيح، وليس الطاعة بسبب الخوف، وأن الخالق سيكتشف أنتهازية وتملق قلب هذا المراهن ومحاولة خداعه، وأن الغرض من تعبده وتسبيحه للخالق وعمل الخير والصالح هو فقط لجمع الحسنات للحصول على مكتسبات الجنة الأبدية المادية من نعيم وحوريات وأنهار من اللبن والخمر وما إلى ذلك، وأن هذا المراهن لا يقدم حسنات بدون مقابل.

بورتريه “بليز باسكال” على العملة الورقية الفرنسية القديمة من فئة خمسمائة فرنك

رهان العقل يقول، إن كان الخالق موجود فإنه سيكون سعيدا وراضيا وسيكافئ الملحد* أو “الأتيست” بإدخاله الجنة للأسباب الآتية:
– أنه أحتكم إلى العقل الذى وهبه له الخالق وتيقن عن طريقه أن الخالق لايحتاج شيئ من الإنسان، والخالق لايمكن أن ينزل عدة أديان مختلفة تتصارع وتتناقض مع بعضها البعض ثم يترك الإنسان لكى يراهن على واحدا منها.
– أنه أحتكم إلى العقل وأكتشف أن الخالق لايمكن أن يحرم على الإنسان
أشياء فى الحياة ثم يحللها له فى جنة الآخرة.
– أنه أحتكم إلى ضميره بعد أن أكتشف أن الضمير هو المكون الفيزائى التوازنى فى تصميمه.
– أنه فعل الخير وعمل الصالح للآخرين المحتاجين على الأرض، وأدى بلاءا حسنا فى الحياة، ولم تكن له أى أغراض سوى الرقى بالعلاقات الإنسانية وترسيخ حياة أفضل على الأرض دون أنتظار مقابل.
– أنه استخدم عقله ونعمة التفكير والأجتهاد فى تطوير الحياة على الارض، حتى فى نظريات التطور العلمية التى تتشكك فى الخالق، (لأن الخالق القادر لن يتأثر بأن يتشكك به أحد على الأطلاق).

لوحة تذكارية مثبتة على منزل “بليز باسكال” الذي أقام فيه من عام 1954 الي عام 1662 بمنطقة الحي اللاتيني في باريس

أما إذا كان الخالق غير موجود، فإن الملحد * أو “الأتيست” يكون عاش حياة سوية واستمتع بما أعطته الطبيعة من نعم ومن علم وجمال وخيال وموارد بعيدا عن كل هذه الخزعبلات التى تربك الحياة، وهو يتقبل الموت كنهاية طبيعية لدورة حياة الكائنات بعيدا عن سيطرة الأديان والانبياء واستغلال الدعاة والوعيد والعقاب وعذاب القبر وما إلى ذلك.

الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال

وعليه ففى الحالتين لن يخسر الإنسان شيئ سوى المعاناة الحياتية كونه ملحدا أو “أتيست” بين مؤمنين يهددونه بالشرك والقتل والردة وما إلى ذلك.

دراسة وتقديم: مهندس/ محيى الدين غريب
كوبنهاجن – الدانمارك

**********************************

تعريف:

* الملحد: بالتعريف العلمى هو من لايؤمن بالأديان السماوية ولكن يؤمن بوجود خالق، أما “الأتيست” فهو من لايؤمن بوجود خالق على الأطلاق ولا أعتقد أن له مرادف باللغة العربية

 

الحرية - خاص

جريدة الحرية موقع إلكتروني يصدر من باريس عن مجلس التعاون المصري الأوربي يهتم بشؤون المصريين والجاليات المصرية في الخارج.
زر الذهاب إلى الأعلى