فرنسا

ماكرون يفوز برئاسة فرنسا للمرة الثانية..

 

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

فاز الرئيس إيمانويل ماكرون في الدور النهائي لانتخابات الرئاسة الفرنسية الذي جرى يوم 24 أبريل الماضي, بنسبة ٥٨٫٥٥٪  متقدمًا على منافسته زعيمة حزب اليمين المتطرف «مارين لو بن» التي حصلت على نسبة ٤١٫٤٥٪.

وصرح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد إعلان نتيجة فوزه، بأن فترة رئاسته المقبلة لن تكون استمرارًا لفترة رئاسته السابقة بل ستكون بداية عصر جديد، يحمل «مشروع جديد» يعالج الانقسامات والخلافات الحزبية السياسية، ويهدف إلى منح مزيد من القوة لفرنسا وأوربا. وأعرب ماكرون عن تفهمه لحالة الغضب والاختلاف في الرأي لبعض فئات المجتمع الفرنسي، وأنه سيعمل علي تجديد أسلوب الحكم لعلاج هذه الظواهر.

ووجه الرئيس ماكرون عقب فوزه رسالة من خلال تصريحات للصحفيين ووسائل الإعلام، بأنه يتفهم حالة الغضب لدى بعض فئات الشعب، والتي أوصلت اليمين المتطرف إلى أكبر نسبة أصوات حصل عليها منذ ما يزيد عن 32 عاما..!

كما وجه الرئيس ماكرون رسالة شكر وتقدير لكل ناخبيه ومؤيديه وأعضاء حملته الإنتخابية، الذين كان لهم دور نشط وهام في تحقيق هذا النصر الواضح على منافسته زعيمة اليمين المتطرف في الدور النهائي بفارق يزيد عن 17 نقطة، بعد أن كانت استطلاعات الرأي عقب إنتخابات الدور الأول تتوقع فوز ماكرون بفارق ثلاث نقاط فقط..

ماكرون يحصل على أكثر من 80 %في بعض الدوائر الإنتخابية

“أورالي تاكيان” رئيسة الحملة الإنتخابية لماكرون غرب باريس

وظهرت النتائج تباينا واضحا على الصعيد المحلي، فبينما تفوقت “مارين لو بن” في الأصوات ببعض القري والمدن العمالية – كمنطقة شمال فرنسا وبعض المناطق الشرقية والجنوبية، التي يعتبر قاطنيها من الفرنسيين، أن كل السلبيات ومواطن الداء تجيئ بسبب تواجد المهاجرين الأفارقة والعرب،ويصوت سكان هذه المناطق في الغالب لصالح اليمين المتطرف إعتقادا منهم بأن “علاج فرنسا وأوربا” يتأتي بطرد جميع المهاجرين والأجانب من أراضيها – بينما حقق الرئيس ماكرون نتائج عالية في كثير من المدن الفرنسية، وعلى سبيل المثال فإن ماكرون حصل على نسبة 39ر80% من الأصوات في منطقة غرب باريس، بينما حصلت مارين لو بن على 19 % فقط من الأصوات !!

وكان الرئيس إيمانويل ماكرون قد تصدر نتائج الدور الأول من الإنتخابات وحصل على نسبة 84ر27 %، وجاءت مارين لو بن في المركز الثاني بنسبة 1ر23 %، وجاء ممثل اليسار العمالي جان لوك ميلانشون في المركز الثالث بنسية 59ر21 % يليه في المركز الرابع الصحفي المعروف إريك زيمور (الذي يمثل اليمين الأكثر تطرفا في فرنسا) وحصل على نسبة 1ر7 % من الأصوات.

“الكسندر فارو” أحد منسقي الحملة الإنتخابية لماكرون

والجدير بالذكر أن الرئيس الراحل جاك شيراك كان قد فاز على زعيم حزب اليمين المتطرف ” جان ماري لو بن” في الإنتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2002 بنسبة 21ر82 % مقابل 7ر17 % لصالح جان ماري لو بن (والد مارين لو بن).

ويعتبر ماكرون ثالث رئيس فرنسي يعاد انتخابه بعد الرئيس فرانسوا ميتران الذى مكث في الحكم ١٤سنة (منذ عام ١٩٨١ وحتى عام ١٩٩٥) والرئيس جاك شيراك “من عام ١٩٩٥ وحتى عام ٢٠٠٧”، بينما فشل الرئيس نيكولا ساركوزي الذي وصل الحكم عام ٢٠٠٧ في إعادة انتخابه سنة ٢٠١٢ لصالح فرانسوا هولاند الذى أنهى فترة رئاسة واحدة، ورفض التقدم للانتخابات لدورة جديدة في عام ٢٠١٧، حيث تولى الرئيس ايمانويل ماكرون الرئاسة الأولى في ذلك العام.

الرئيس ماكرون هو أصغر رئيس منتخب لفرنسا منذ أكثر من مائة وسبعون عامًا، حيث وصل الحكم عام ٢٠١٧ وسنه ٣٩ عامًا فقط، ومن المنتظر أن يترك الحكم عام ٢٠٢٧ وسنه لا يتجاوز الخمسون عامًا!

ويذكر أن الإنتخابات الرئاسية الماضية التي جرت عام ٢٠١٧ كانت قد شهدت  صعود نفس المرشحين –”ماكرون” و “لو بن”- إلى الدور النهائي للإنتخابات وأسفرت النتائج عن تقدم ماكرون وحصوله على نسبة ٦٦٫١٠٪  وفوزه بمنصب رئاسة الجمهورية الفرنسية، بينما حصلت مارين لو بن، على ٣٣٫١٠٪  من الأصوات فقط.

ورغم انخفاض شعبية ماكرون في الدور النهائي لانتخابات هذا العام عن عام ٢٠١٧، فإن فوزه يعتبر بمثابة إنجاز ونجاح لبرنامجه الإنتخابي وحملته الإنتخابية، وخاصة أن المنافسة كانت قوية هذا العام في ظل زيادة نسبة التيارات المتطرفة على الجانبين اليميني واليساري، بالإضافة للظروف العالمية التي حالت دون تحقيق ماكرون كافة طموحاته، مثل وباء الكوڤيد،  ومؤخرا وقبل الحملة الإنتخابية مباشرة موضوع إندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، وآثار ذلك كله على الاقتصاد في كافة دول العالم.

ويتعارض البرنامج الانتخابي للرئيس ماكرون بصفة خاصة عن برنامج منافسته مارين لوبن بشأن المهاجرين وما يتصل بالمسلمين في فرنسا، وخاصة أن زعيمة حزب اليمين المتطرف تري أن «الإسلام يشكل خطرًا على فرنسا ويهدد هويتها»!

وتدعو زعيمة اليمين المتطرف أيضًا إلى سحب الجنسية الفرنسية من المسلمين الذين يثبت أن لهم علاقة بالإرهاب، وطرد مزدوجي الجنسية إلى بلادهم الأصل في حالة ارتكابهم جرائم أو مخالفات تؤدي بهم إلى السجون، ومن أهم مطالبات اليمين المتطرف الذي تتزعمه مارين لوبن هو قانون لمنع ارتداء السيدات للحجاب في الشوارع والأماكن العامة في فرنسا..! بينما يرى الرئيس ماكرون أن هذا الموضوع يدخل في إطار الحرية الشخصية ولا يجب مںع الحجاب من الأماكن العامة.

فلاديمير بوتين يستقبل زعيمة اليمين المتطرف “مارين لو بن” في الكريملين بموسكو

ويرى ماكرون أن فرنسا قد أخطأت في بعض الأحيان باستهدافها المسلمين بصورة غير عادلة، وأن الدولة الفرنسية تعتبر علمانية، تؤمن بحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية للجميع.

وشهدت زعيمة اليمين المتطرف “مارين لو بن” إنتقادات حادة داخل فرنسا لبعض  السياسيين والصحفيين وأجهزة الإعلام في فرنسا لموقفها المؤيد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وزياراتها المتكررة لموسكو، وعلاقاتها مع النظام الروسي، والتهرب من التعليق على الأحداث الأخيرة وعدم إدانتها للهجوم الروسي فور حدوثه على أوكرانيا، وأضطرت نتيجة للضغوط المحلية في نهاية الأمر إلى إدانة الأعتداء الروسي على أوكرانيا بصورة مباشرة وواضحة.

ويذكر أن “مارين لو بن” كانت قد حصلت على قرض من أحد البنوك الروسية بمبلغ عشرة ملايين دولار عام 2015 لخوض الإنتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت عام 2017، وذكرت أجهزة الأعلام الفرنسية أنها لم تسدد هذا الدين إلي الآن، وقد تحدث الرئيس ماكرون عن هذا الأمر خلال المناظرة التليفزيونية الأخيرة التي جرت بينه وبين منافسته مارين لو بن.

وأظهرت بعض القيادات الأوربية – قبل عقد الإنتخابات الفرنسية – عن تخوفها من الوصول المحتمل لمارين لو بن الى سدة الحكم في فرنسا في ظل تقاربها مع النظام الروسي وزياراتها المتعددة لموسكو، وخاصة في ظل الأزمة الأوكرانية-الروسية، والموقف الأوربي الواضح من الأزمة.

وتجيئ إعادة إنتخاب ماكرون رئيسا للجمهورية  في ظل الرئاسة الدورية لفرنسا للاتحاد الأوربي والتي بدأت في أول يناير الماضي وتستمر حتى ٣٠ يونيو المقبل.

ارتياح أوربي وترحيب دولي

وفور الإعلان عن فوز الرئيس ماكرون، أعرب قادة الاتحاد الأوربي، عبر تصريحات إعلامية ورسائل تهنئة للرئيس الفائز، عن ارتياحهم وغبطتهم لإعادة انتخاب ايمانويل ماكرون رئيسًا لفرنسا، حيث صرح رئيس المجلس الأوربي شارل ميشيل، بأن الاتحاد الأوربي يمكنه الاعتماد على فرنسا خلال الخمسة أعوام القادمة، كما أعلنت رئيسة المفوضية الأوربية السيدة أورسولا فون ديرلاين عن ارتياحها لمواصلة التعاون المميز مع الرئيس ماكرون.

وهنأ وزير الخارجية الأميركي انتوني بالينكن  الرئيس الفرنسي على إعادة انتخابه، وتوقع استمرار التعاون الوثيق والمثمر مع فرنسا بشأن التحديات الدولية، واستمرار التحالف.

وأعرب رئيس وزارة كندا «جاستون ترودو» عن تطلعه لمواصلة العمل مع الرئيس ماكرون والتعاون في المجالات المشتركة.

وصرح المستشار الألماني اولاف شولتز، بأن إعادة انتخاب ماكرون لرئاسة فرنسا يعتبر إشارة قوية لصالح أوربا والاتحاد الأوربي.

كما أعرب رئيس الوزراء البريطاني”بوريس جونسون” عن تطلعه لمواصلة التعاون مع ماكرون بشأن القضايا العالمية, ووصف رئيس الوزراء الإيطالي “ماريو دراجي” بأن فوز ماكرون برئاسة فرنسا يعتبر بمثابة خبر رائع لأوربا.

وقال رئيس الوزراء الأسباني “بيدور سانشيز” : أن فوز ماكرون يدفع في طريق إتحاد أوربي قوى.

كما أشادت كل من بلچيكا وايرلندا والسويد وسويسرا والنرويج بإعادة انتخاب ايمانويل ماكرون واعتبرت أن انتصاره هو بمثابة انتصار للديمقراطية والحرية في أوربا.

 

رشدي الشافعي

المهندس رشدي الشافعي
مؤسس ورئيس تحرير جريدة «الحرية» منذ عام 2009.
بكالوريوس الهندسة المدنية «إنشاءات»
كلية الهندسة - جامعة الإسكندرية.
صحفي، مدير مكتب جريدة الجمهورية المصرية
في باريس سابقاً.
رئيس مجلس التعاون المصري- الأوربي.
زر الذهاب إلى الأعلى