فرنسا

في أول اختبار حقيقي للرئيس ماكرون … قرار زيادة أسعار الوقود … يشعل غضب الفرنسيين

 

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أول أختبار سياسي حقيقي منذ انتخابه

 

اشتعل الغضب وزادت حدة الاحتجاجات خلال الأيام الماضية في مختلف المدن والقرى الفرنسية، احتجاجاً على قرار الحكومة بزيادة قيمة الضريبة على الوقود، بهدف تمويل مشروعات خدمة البيئة، والاستثمار في مجالات الطاقة البديلة.

التظاهرات التي كان محدداً لها يوم السبت ١٧ نوفمبر الماضي واشترك فيها ما يقرب من ٣٠٠ ألف شخص. استمرت ولا أحد يعرف متى تنتهي؟ بل أنها انتقلت إلى بعض الجزر الفرنسية البعيدة؟

الحكومة الفرنسية لا ترغب أن تتراجع عن قراراتها، والمتظاهرون لن يفرطوا في تلك الشوارع والميادين التي احتلوا أجزاء كبيرة منها للتعبير عن غضبهم وسخطهم على قرارات الحكومة “التعسفية” كما يصفونها.

أصحاب الشركات الصغيرة وبعض المهن الحرة البسيطة يعتبرون أن السيارة هي إحدى معدات العمل الضرورية للانتقال، وزيادة أسعار وقود السيارات يسبب لهم أعباء إضافية وضرر بالغ.

والحكومة تؤكد أنها لن تتراجع، مما دفع المتظاهرين للاستمرار في تظاهرهم، وبعد أن كان من المفروض أن تستمر حالة الغضب والتظاهر لمدة يوم واحد، قرر المحتجون الاستمرار في تظاهرهم وإعلان غضبهم “لأجل غير مسمى”، للضغط على الحكومة وساعدهم على ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، حيث دعى الآلاف على شبكات التواصل إلى ضرورة استمرار التظاهر والإضراب إلى أن ترضخ الحكومة وترجع عن قراراتها.

وفي الأيام التالية انخفض عدد المتظاهرين من ثلاثمائة ألف متظاهر إلى مائة ألف. غير أنهم أصبحوا أكثر إصراراً وتنظيماً، عن طريق عمل دورات أو “ورديات” لاستمرار احتلال بعض المواقع الاستراتيجية لتعطيل حركة السير على بعض الطرق السريعة عن طريق غلق المنافذ والمداخل إليها، بهدف إسماع أصواتهم وطلباتهم لبقية الشعب الفرنسي وأيضاً للقيادة السياسية في البلاد.

التظاهرات أمتدت لتشمل ميدان شارل ديجول ومنطقة قوس النصر

إنهم أصحاب “السترات الصفراء” هكذا أطلق عليها تلك التظاهرات، وجاءت الفكرة من أن هذه “السترات” هي سترات إجبارية يوجب وضعها داخل كل سيارة في فرنسا لاستخدامها في حالة تعطل السيارة وارتداءها لتفادى تعرض السائقين للحوادث إذا ما وقع العطل في مكان مظلم مثلاً أو ليلاً. واعتبر الحرفيون وأصحاب الشركات الصغيرة أن رفع أسعار البنزين والسولار يعتبر بالنسبة لهم “كحادث” يستوجب ارتداء “السترة الصفراء” ومن هنا جاءت التسمية، وقاموا بارتدائها للاعتراض على قرارات الحكومة الفرنسية.

وكان يمكن لهذه الزيادة على أسعار الوقود أن تمر بهدوء، غير أنه من المنتظر أن تطبق الحكومة زيادة جديدة على الوقود مع بداية العام القادم، وهو الأمر الذي زاد من اشتعال الموقف.

وثار غضب بعض الفرنسيين في محاولة لاستباقة هذا القرار والضغط على الحكومة كي تتراجع عن قراراتها، التي وصفوها بأنها لا تأخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية لشريحة كبيرة من الطبقات الكادحة من محدودي الدخل، وأنها ستؤثر بالطبع في خفض القوة الشرائية لهم.

قام المتظاهرون في شارع الشانزليزيه بتحطيم بعض الحواجز الخشبية والبلاستيكية وأشعال النار بها

ويذكر أن الزيادة على الوقود لا تمس فقط وقود السيارات والجرارات الزراعية وعربات النقل بالطبع، بل أنها تمتد لتؤثر على تكاليف استهلاك بعض أجهزة التدفئة في المنازل وبعض المصانع والورش الحرفية الصغيرة التي تستخدمها في فصل الشتاء.
وتحولت التظاهرات إلى صدامات مع أجهزة الشرطة بعد أن خرجت هذه التظاهرات من المناطق والشوارع التي كانت مخصصة لها وأخذت تجوب في المدن والمناطق المزدحمة وتغلق الشوارع الفرعية التي تؤدى إلى الطرق السريعة التي تربط بين المدن الفرنسية المختلفة، وتسبب شلل لبعض المناطق.

فلقد قام المتظاهرون بمحاصرة عدد من المناطق الصناعية، ومنعوا محطات الوقود من التزود بالبنزين والسولار، وتسلل مع المتظاهرين عدد من المخربين الذين “يستمتعون” بتحطيم بعض الرموز الإنشائية كمحطات تحصيل الرسوم على الطرق السريعة وبعض المباني الحكومية.

وتسبب هذه التظاهرات والتي كانت غير متوقعة بهذه الصورة – إلى حالة من التواجد المكثف لرجال الأمن، وخاصة أنها حدثت بالتزامن في العاصمة باريس وأيضاً عدد كبير من المدن الفرنسية في ذات الوقت.

وواجهت قوات الشرطة عدد من المجموعات المتطرفة، التي تسللت مع المتظاهرين، والتي اصطدمت معها والقت بالحجارة وزجاجات المولوتوف – في بعض الأحيان- على رجال الأمن، وأسفرت الاشتباكات التي وقعت في باريس وعدد من المدن الأخرى عن وفاة شخصين وإصابة ما يقرب من ٥٣٠ شخصاً منهم ١٧ بإصابات خطيرة.

 

رائحة الحرائق وتصاعد الدخان في شارع الشانزليزيه

في ظل هذه الأحداث تحدث الرئيس ايمانويل ماكرون للصحافة عقب اجتماعه الأسبوعي بالحكومة الفرنسية يوم الأربعاء الماضي، وأعرب عن رغبته في الحوار والشرح مع المنظمين لهذه التظاهرات.

قال ماكرون أن استراتيجية الحكومة تسير حسب البرنامج الانتخابي الذي وافق عليه الشعب، وتم التصويت عليه في الجمعية الوطنية (مجلس الشعب الفرنسي) وأن القرارات كانت شفافة وواضحة منذ البداية. وأكد على أن الحكومة -بالرغم من ذلك- تفعل كل ما في وسعها من إجراءات حقيقية لتخفيف العبء على محدودي الدخل ومساندة الطبقات والأسر ذات الدخول الضعيفة.

وأعرب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن تفهمه لغضب شريحة من المجتمع، غير أنه أدان حوادث الشغب التي نجمت ومازالت مستمرة بين بعض المجموعات التي تريد أحداث الشغب وتعطيل حياة الشعب.

قال ماكرون أن الحكومة الفرنسية ستقوم بإجراءات حقيقية للتخفيف من أثار رفع أسعار الوقود، غير أن ذلك يستلزم بعض الوقت، وأضاف أنه يجب على المجتمع أن يغير بعض من عاداته، وأن الحكومة مسئولة بالاستمرار في شرح استراتيجيتها وخطتها للشعب لتجنب مثل تلك الحوادث.

وأضاف: بالرغم من صدور بعض القرارات المكملة لرفع أسعار الطاقة عن طريق التيسير على بعض الطبقات التي ستعانى من هذا القرار، فإن الرسالة لم تصل إلى هذه الطبقات بعد، وأعتقد أن هناك فارق زمني لم يستطع المتظاهرون أن يلمسوا آثاره، لأن هناك “حزمة من التسهيلات” تقدم لهذه الطبقات المتضررة من قرار زيادة الضرائب على الوقود.

بنجامان جريفو – المتحدث الرسمي للحكومة الفرنسية

 

وعقب اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، حذرت الحكومة الفرنسية على لسان المتحدث الرسمي لها “بنجامان جريفو”، بأنها ستتصدى لأي “سلوك غير مقبول” يحاول المساس بحياة المواطنين العادية وتعطيل مصالحهم من خلال هذه التظاهرات.

وقال المتحدث الرسمي في مؤتمره الصحفي الأسبوعي: أن رئيس الجمهورية يعتبر أن هناك معاناة حقيقية لبعض الطبقات، يجب الاستماع إليها ومحاولة وضع حلول لها، ولكن ظهر أيضاً أن هناك بعض السلوكيات من المتظاهرين التي نعتبرها غير مقبولة ويجب عدم السماح بها.
وذكر الرئيس ماكرون في حديثه: “أنه لا يجب أن نسمح أو نوافق على أن هذه التظاهرات تتسبب في وفاة البعض وإصابة عدد كبير من رجال الأمن والمتظاهرين، وهو سلوك نعتبره غير مقبول، كما أنه لا يمكن لنا أن نسمح أن يستغل البعض هذه التظاهرات لرفع بعض العبارات العنصرية أو ترديدها، كما حدث في تظاهرات الاعتراض على زيادة أسعار الوقود.

وقال الرئيس خلال اجتماع مجلس الوزراء، أنه قد تكون القرارات سبب في عناء بعض المواطنين، وعلى هذا يجب الشرح والمناقشات لإيجاد حلول سريعة لهذه الفئات من المجتمع وللخروج بنتيجة إيجابية.

وأضاف ماكرون للوزراء: إنه يجب على الحكومة التي تضع قراراتها على الورق أن تراعى المعاناة الحقيقية لبعض فئات الشعب التي ممكن أن تسببها هذه القرارات. ولذلك يجب أن تكون هناك قرارات واضحة وملموسة مصاحبة لرعاية هذه الفئات.

 

إدوارد فيليب، رئيس الحكومة الفرنسية

 

وحذر رئيس الوزراء الفرنسي أدوار فيليب من الاستغلال السياسي لهذه التظاهرات والذي بدر من بعض العناصر المتطرفة التي تريد استغلال معاناة بعض الفرنسيين لإحداث الضرر بالمصالح العامة وتعطيل مصالح الشعب.

كما أدانت وزارة الداخلية على لسان الوزير “كريستوف كاستانر” حوادث الشغب التي أوقعت بعض الضحايا والمصابين.
وذكرت بعض المصادر في وزارة الداخلية أن هناك مجموعات من اليسار المتطرف وأيضاً اليمين المتطرف ساعدت في إحداث الشغب أثناء التظاهرات.

وتعتبر هذه التظاهرات بمثابة أول اختبار حقيقي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وعليه أن يهدئ النفوس سريعاً، ليس بسبب غضب الناس، ولكن بسبب قرب موعد الانتخابات الأوروبية، التي ستجرى خلال ستة أشهر مع ربيع عام ٢٠١٩، والتي ستعتبر أختبارا حقيقيا لشعبية الرئيس ماكرون. لذا فإن الرئيس الفرنسي يحرص على أن تتم هذه الانتخابات في أحسن ظروف أجتماعية وأن تظهر أنه ما يزال يملك كتلة سياسية شعبية متماسكة.

قوات الإنقاذ والمطافي حاصرت المنطقة بالكامل

ومع استغلال الجماعات الراديكالية لهذه التظاهرات سواء اليسار المتطرف الذي يتزعمه “جان لوك ميلانشون” أو اليمين المتطرف الذي تتزعمه “مارين لوبن”، فإن كلا الجانبين، يرغبان في أن تحدث هذه التظاهرات فجوة كبيرة بين الرئيس ماكرون، وكتلته الانتخابية من المؤيدين له.

ويعلم ماكرون – حسب رأى كبار خبراء السياسة – أن تراجعه عن هذه القرارات – زيادة أسعار الوقود – سيضعفه ويضعف نفوذه بشكل كبير، وعلى هذا فإنه لن يستطيع أن يتخذ قرار مثل هذا مهما كانت الظروف.
بالإضافة إلى أن “ماكرون” يريد أن يكون مميزاً عن رؤساء فرنسا السابقين الذين ما تلبث أن تواجههم صعوبة في اتخاذ قرار معين، فإنهم سرعان ما يتراجعون عن تنفيذ القرار. وهذا في شئون السياسة يعتبر خطأ بالغ، ومن الأجدى دراسة نتيجة القرارات قبل اتخاذها.

المتظاهرون من أصحاب “السترات الصفراء” أنتشروا في محيط المركز الحيوي للعاصمة الفرنسية باريس

يعلم ماكرون هذه الحقيقة، لكن ما هي الأدوات التي يستطيع ماكرون فعلها لمواجهة ذلك؟ وخاصة أنه ليس هناك قيادات واضحة لهذه التظاهرات يمكن التفاوض معها.

وتكمن المشكلة في شعبية هذه التظاهرات، فمن السهل في حالة تظاهرات النقابات العمالية، الالتقاء بقيادات النقابات و”التفاوض” أو النقاش معهم للتوصل إلى حل أو إلى نتيجة معينة ترضي جميع الأطراف ، لكن في هذه الحالة الأمر يختلف
يقول المراقبون السياسيون في فرنسا أنه يمكن لماكرون “تقسيط” هذه الزيادة لتتحملها الفئات محدودة الدخل على مراحل حتى يمكن مرورها بسهولة أكثر من زيادة مفاجئة.

تصاعدت الأدخنة وأمتدت لمناطق كثيرة بمنطقة الشانزليزيه

ويخشى ماكرون من الاستغلال السياسي لهذه المشكلة، وهو الأمر الذي قد يدفع بعض ناخبيه ومؤيديه للتصويت “ضد الحكومة” وليس بالضرورة لانتمائهم لأفكار اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف أو أي انتماء سياسي آخر، بل أنها سياسة الاعتراض على السياسة التي تنتهجها الحكومة الحالية والتصويت لصالح المعارضة ، أي كانت !.

وهذا التصويت يعتبر من أخطر المواجهات التي يمكن أن يتصورها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم “التصويت الاعتراضي” أو “التصويت السلبي”، ولقد كان هذا التصويت عنصرا هاما من عناصر فوز ماكرون في الانتخابات الرئاسية، إذ ترشح ماكرون في ظل غضب عارم من قطاعات كبيرة من الشعب الفرنسي الذي أظهر سخطه على التيارات السياسية التي لا تلبي أحتياجاته، فهناك شريحة لا يستهان بها من الشعب كانت غاضبة وساخطة من سياسة اليمين وشريحة أخري غير راضية تماما عن سياسة اليسار،

وفي هذه الأثناء قدم ماكرون نفسه لناخبيه على اعتبار أنه “الاتجاه السياسي الثالث” الذي يمكن أن يحقق آمال المحبطين من سياسة أحزاب اليمين، وأيضا الناقمين على خيانة اليسار لهم !!

وفي وسط هذا الخضم الهائل من التوتر السياسي والتظاهرات التي تعصف بالحياة الاجتماعية في عدد من المدن والمناطق الفرنسية، وخاصة العاصمة باريس، يلقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقاومة عنيفة وهجوم من أعضاء الحزب الراديكالي اليساري الذي يحمل أسم “فرنسا التي لا تخضع” (لافرانس أنسوميز) والذي يرأسه السياسي المشاغب جان لوك ميلانشون .

النائب فرانسوا روفان

حيث يداوم نائب الحزب في البرلمان الفرنسي “فرانسوا روفان”، على مهاجمة الرئيس إيمانويل ماكرون بصفة دائمة ومستمرة، ويصفه بأنه “رئيس للأغنياء في فرنسا”، وفي غمار الأزمة، قدم النائب عدة دراسات عن سياسة الرئيس ماكرون التي وصفها بأنها تزيد العناء لمحدودي الدخل، وتساعد على زيادة ثراء الأثرياء.

وتبين في نهاية الأمر، أن هذه التقارير والدراسات جاءت بناء على نتائج دراسات نظرية قديمة لبرنامج الرئيس ماكرون الانتخابي وإن هذا البرنامج لم يطبق كما هو، وأجريت عليه عدة تعديلات، وأصبحت الدراسات التي قدمها النائب بعيدة عن الواقع.

وفي المقابل فإن الدراسات الواقعية التي أجرتها أجهزة إحصاء معروف عنها الكفاءة أظهرت أن سياسة الرئيس ماكرون أفادت نسبة كبيرة من الفئات محدودة الدخل كما أفادت قلة من كبار الأثرياء، وجاءت الشريحة الغنية ومتوسطة الدخل، لتساهم قليلاً في تحسين أحوال الطبقات محدودة الدخل.

طائرات الهليوكبتر التابعة للشرطة شاركت في المراقبة

 

وأكدت الدراسات على أن  سياسة ماكرون ساهمت في تخفيف الأعباء على نسبة كبيرة من المواطنين الفرنسيين بعد قراره بإلغاء بعض الضرائب الإضافية، كالضريبة على المسكن والتي يطلق عليها الضريبة المحلية. وقام بإدماج عدد من الإجراءات التي تساعد على تحمل أعباء الطبقات ضعيفة الدخل.

غير أن كل ذلك لا يكفي،وسط أشتعال الشوارع والميادين بثورة من الغضب والاعتراض على سياسته.

جان لوك ميلانشون رئيس حزب “فرنسا التي لا تخضع”

 

وما يزيد من قلق السلطات الفرنسية هو اندلاع التظاهرات في بعض الجزر التابعة لها وراء البحار (المستعمرات السابقة) على بعد عدة آلاف من الكيلو مترات من العاصمة، مثل جزيرة “لارينيون” الواقعة في المحيط الهندي والتي لا يتعدى عدد سكانها عن مليون نسمة، حيث اندلعت فيها التظاهرات تزامنا مع التظاهرات التي وقعت في باريس وعدد من المدن الفرنسية، والتي استغلها البعض لإشعال النيران في عدد من المتاجر. وسرقة ونهب محتوياتها، كما أشعلت النيران في بعض السيارات وتسببت في خسائر جسيمة، وسط عاصفة من العنف، لم تتمكن أجهزة الأمن المحلية من السيطرة عليها بالكامل.

شارع الشانزليزيه ظل مغلقا في المساء أمام حركة السيارات

وقام بعض الشباب بقطع الطرق وطلبوا من السائقين دفع “رسم مرور” لهم يتراوح بين ٥ وعشرة إيرو للسيارة في ظاهرة لم تحدث من قبل، وأغلقت المدارس، وتقرر حظر التجول ليلاً في بعض المناطق بالجزيرة.

وعلى هذا فإنه ليست أمام إيمانويل ماكرون خيارات كثيرة، فهو لا يستطيع التراجع عن قراراته والعودة إلى الوراء، وخاصة بالنسبة للضريبة التي وضعها “لحماية البيئة”، فهي

كانت من ضمن وعوده وبرنامجه الانتخابي وعنصرا أساسياً به.
وعليه أن يفند الأسباب ويشرح للمواطنين حجم التضحيات المطلوبة من الشعب للوصول إلى الأهداف النبيلة التي وضعها لخطته في إطار حماية البيئة والطاقة المتجددة. وفي نفس الوقت عليه أن يأخذ في الاعتبار صرخات فئات من الشعب تدركأن هذه الزيادة قد تؤثر على قوتها الشرائية وتراجع مستوى أحوالها المعيشية.

ويدرك إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب أن هذه التظاهرات لا يسيطر عليها النقابات العمالية أو غيرها من التكتلات المعروف قيادتها، فهذه التظاهرات هي عبارة عن تظاهرات شعبية دعى إليها “المتحدثين الرسمين” باسم المجتمع للتعبير عن غضبهم وعدم رضائهم وشعورهم بالإحباط من سياسة الدولة، التي تريد الاقتطاع من دخلهم و”أفقارهم”، ولا أحد يفهمهم.

يعلم ماكرون أن الوسيلة الوحيدة هي محاولة شرح وإيضاح هذه الإجراءات مع وضع خطة دعم متزامنة للطبقات محدودة الدخل لتخطى هذه الأزمة، وأن تكون هذه الإجراءات بصورة عاجلة لإنقاذ الموقف.

وفي نفس الوقت، فلقد تقدم عدد من النقابات العمالية بطلب للالتقاء مع الرئيس إيمانويل ماكرون أو رئيس الحكومة الفرنسي إدوار فيليب، لعقد لقاء يضم عدد من رؤساء جمعيات المجتمع المدني وممثلي عن كبرى الشركات الفرنسية، بهدف وضع وثيقة عمل مشترك، تسهل حياة بعض طبقات الشعب، وتخرج من هذه الأزمة بأقل خسائر ممكنة.

الحرية – باريس – رشدي الشافعي:

———————————————-

 

رشدي الشافعي

المهندس رشدي الشافعي
مؤسس ورئيس تحرير جريدة «الحرية» منذ عام 2009.
بكالوريوس الهندسة المدنية «إنشاءات»
كلية الهندسة - جامعة الإسكندرية.
صحفي، مدير مكتب جريدة الجمهورية المصرية
في باريس سابقاً.
رئيس مجلس التعاون المصري- الأوربي.
زر الذهاب إلى الأعلى