ثورة العبيد الكبرى
قصة قصيرة
كان السؤال منذ الأذل …. هل من حق المخلوقات من الكائنات الحية بأنواعها ان تقوم بثورة، هل من حقها أن تعترض أو أن تتظلم بما أبتليت به وبما عانت منه منذ ملايين السنين ولاتزال. وإن صح ذلك فلمن تتظلم وكيف؟ ولم يكن أمامهم بالطبع إلا الخالق الأوحد.
وتعجب الخالق وملائكته، أن الكائنات الحية غايتها ان تتصارع مع نفسها وان يثورعبيدها على أسيادها، أما تكون ثورة على الخالق فهذا شيئ مقلق.
جميع المخلوقات لم تخلق حرة بل خلقت مبرمجة بدقة وتتحكم فيها وبسلالاتها الملايين من الجينات. وبعد أن أكتشف العلم شفرة لغة الكائنات الحية بجميع أشكالها من الحشرات والحيوانات وحتى النباتات، مر الإنسان بطفرة علمية هائلة تعرف من خلالها على أسرار كثيرة عن الخلق. وأستطاع الإنسان ان يتقارب مع باقى الكائنات الحية وينفذ إلى عالمها بعد أن فك شفرة لغاتها. وإذ به يواجه بمفاجآت معقدة عندما حدث نوع من النقاش والحوار معها. أستطاع الإنسان أن يستمع لمشاكل الكائنات على مدى مئات السنين ليصبح وسيطا لتعاون الكائنات فيما بينها وإستطاع حل العديد من المشاكل وسوء الفهم. إستطاع أيضا حل المشاكل بينه وبينهم مما أسهم فى تقديم صورة جديدة لجميع الكائنات، صورة حضارية بعد أن صيغت العشرات من الإتفاقيات كان آخرها التمثيل النقابى للكائنات الحية على الأرض والكواكب المختلفة للدفاع عنهم وتقديم مظالمهم أمام الخالق.
وبالفعل قامت مؤخرا جميع المخلوقات بالإعلان عن ثورة عارمة على شاكلة ثورة العبيد، ولكن هذه المرة ثورة ضد الخالق، يتولى الإنسان رفعها نيابة عن كل الكائنات، يفند فيها كل منهم تظلمة وإعتراضة.
الخالق ولأنه القدير الحكيم كان عليه ألا يلتفت لمثل هذه المهاترات، ومع ذلك عقد إجتماعه الآلهى مع ملائكته لكى
يعرض عليهم الأمر. هوجمت هذه الثورة من بعض الملائكة، كون هذه التظلمات لا مكان لها، وكون أن الخالق هو الحكيم العليم وأن كل شيئ محسوب بدقة إلاهية ولها حكمة أرفع وأعلى من تصور المخلوقات. أليس ما قد يبدو لهم ضررا هو فى حساب الخالق خيرا لهم. والبعض الآخر من الملائكة وافق على إستحياء النظر لهذه التظلمات على أساس عدالة السماء وحق المخلوقات، وخاصة أن هذه الكائنات الحية غير متوازنة ترموديناميكيا أى يحق التعامل معها. تردد الخالق بعض الشيئ، ولكنه وافق فى النهاية قائلا، لعلها تكون تجربة ذات فائدة لدحض فكرة الإنسان عن عشوائية الكون وإصراره أن الطفرات التى تحدث والتى تحقق هذا التنوع فى الكائنات الحية، تحدث عن طريق الخطأ او السلبيات. تنفس الخالق الصعداء وقال، وربما أيضا تأتى بفائدة عندما نقرر بعث الحياة فى مجرات أخرى حسب الخطة الإلاهية.
جاءت التظلمات بالمئات صارخة وقوية من الحشرات والحيوانات، بينما جاءت متواضعة ومنطقية من الإنسان، وجاءت بسيطة ومهذبة من النباتات.
المتحدث عن الحشرات بدأ الحديث، بأنه ليس من العدل أن تفرض على معظم الحشرات جينات الشر الوراثية والذى تعمد الخالق إلا يسمح لهذه الجينات أن تتطور فيصعب التخلص منها. أنثى بعض العناكب تكره أن تستدرج الذكور للتزاوج ثم تنقض عليها لتأكلها، وهى تفعل ذلك رغما عنها ولا تستطيع تغيير ذلك. لماذا حشرة البق مبرمجة خصيصا على مص الدماء الإنسان لإيذاءه دون أى سبب، بينما مصادر غذائها متوفرا حولها. لماذا بعوضة الحمى تتمتع أن تتسبب فى موت عشرات الآلاف من البشر، حتى أن الإنسان فى محاولة للتدخل فى جيناتها الوراثية لكى تفقد البصر وتقى الإنسان والحيوان والنبات شرورها. يرقات الفراشة مبرمجة أن تدمر شجر الصنوبر وتفرز شعيرات دقيقة تتطاير فى الهواء تسبب أمراض للإنسان والحيوان والنبات وتلوث البيئة لعشرات السنين. لما هذا الشر المبرمج عمدا، عندما تدورحشرات النمل فى دوائر لأنها عمياء حتى الموت. الأمثلة لا تعد ولا تحصى، كل مانريد أن نفهم لماذا كل هذه الشرور، ونرفض الحجج التقليدية، عن الحكمة الإلاهية وعن قصور العقل وعن الغيبيات التى لا تعنينا فى شيئ، نحن نود أن نفهم لماذ، ولكن بقدراتنا نحن وليس بقدرات الخالق.
ختم المتحدث عن الحشرات مرافعته بلهجة حاسمة غاضبة. سيدى الخالق، أن الردود التقليدية مثل أننا يجب أن نحمد الخالق على الميزات العظيمة التى وهبها الينا، وعن أهمية كل ذلك من أجل الدورة والنظم البيئية. كل هذه الحجج نرفضها ونريد حلا لضمان مستقبل أفضل لسلالاتنا.
أما المتحدث عن الحيوانات، فإستهل حديثه، إسمحوا لى معشر الخلق، نحن نفهم ونعقل بعقولنا وليس بعقل الخالق ولا يهمنا مقاصده ونواياه طالما لا نستطيع إدراكها بذات عقولنا التى هى من خلقه. جميعنا نحزن عندما نرى أفيال البحر حرمت من القوائم وهى تزحف بصعوبة على بطنها ووزنها أطنان. لماذا بيضة واحد من بين 1000 بيضة لنوع من السحلفاء فقط تنجو من الافتراس، وحجة توفير الغذاء ليست مفهومة ولا مقنعة. الأسد يقتل أطفال زوجته الجديدة، لأنها إذا أرضعت هذه الاطفال لن تنجب منه. ما ذنب صغار الحيونات عندما ترى امهاتهم تفترس وهن احياء. أين قدرة القادر الرحيم. الذى يقول كن فيكون؟
وأستطرد فى الكلام، نوع من فقمة البحر تترك اطفالها للهلاك بعد ولادتهم بمجرد ان تلتقى مع ذكر آخر للتزاوج، بينما من الطبيعى وكما فى جميع الحيوانات تظل مع اطفالها لحمايتهم وتدافع عنهم حتى الموت. نوع من الاسماك له عشرة عيون وأخر ليس له عيون على الإطلاق. كثير من الطفرات، تحدث عن سلبيات الخطأ فى الخلق، مثل الثدييات التى تبيض ولا تلد، ومثل طائر الخفاش الذى يتعلق رأسا على عقب، وطائر الكيوى فى نيوزلاندا الذى لا يطير.
لماذا تلاحقنا العنصرية ويفرق الإله بين الحيوانات ويوحى للإنسان أن بكرهها أو يتجنبها كما فى النصوص المقدسة،. فصوت بعض الحيوانات نشاذا ولحم بعضها حراما وملامسة بعضها نجاسة.
فإذا كان كل ذلك لإستعراض ولحكمة لتتعلم منه الكائنات الحية، فنحن لا نرى اى حكمة فى ذلك ولا نتعلم منها كثيرا حيث هناك العديد من الحلول لإستعراض الحكم وللتعلم.
جاء دور المتحدث عن النباتات، وجه كلامة للسماء وكأنه يتجاهل الخالق، قال لقد نفذ صبرنا وأصابنا اليأس بعد أن تكررت حالات الإكتئاب والإنتحاربين انواعنا. كنا سعداء أننا نمثل الطبيعة والجمال والنقاء، سعداء أننا نسعد الآخريين، ولكن اكتشفنا أن نباتات شريرة تخنق زويها حتى الموت، وأخرى تتعمد سم البشر والحيوان، أشجار تأكل البشر وأخرى تتفنن فى اقتناص جيرانها.
لماذا هذا الشر عندما تتكاثر بعض الفطريا المائية وتتزاحم حتى تحرم باقى النباتات اسفلها من الشمس فتموت.
لماذا هذا الشر عندما تأتى الحشرات والطيور لإمتصاص رحيق بعض النباتات وإذا بها تنقض عليها وتلتهمها.
أما الإنسان ولأنه اعقل المخلوقات، بدا مرافعته وكأنه ندا للخالق مما أستفز بعض الملائكة.
قال المتحدث عن الإنسان، فى البداية أود أن أسجل أنه لولا مجهوداتنا المتواصلة لأذعن الناس لقبول نظرية التطور التى إنتشرت بكثرة مؤخرا، ولكن يبدو أن فى المستقبل القريب وبتقدم العلم أكثر سيقتنع معظم البشر بأن الكون خلق بالصدفة عشوائيا من اللاشيئ الذى يقع فى اللانهاية، وحينها لن نستطيع مساعدتك سيدى الخالق.
أريد أن أذكر بعض الحقائق على سبيل المثال لا الحصر. لقد إستطاع الإنسان منذ قرون بإجتهادة الشخصى أن يحقق بعض المكتسبات الجينية التى غابت عن الخالق والتى لم تكن فى حساباته. فمثلا ملكة تذوق الموسيقى وملكة الإستمتاع بالجنس وملكات الرومانسية والوعى، إستطعنا بالتكنولوجيا التى نحن اخترعناها بعقولنا المحدودة، أن نتحكم فى جيناتها لتطويعها وتوارثها، حتى أصبحت هذه الملكات من أهم أسباب حب البقاء.
أما تظلماتنا فهى كثيرة، أولها ما إشتركت فيه جميع الكائنات الأخرى، إلا وهو عقلانية الأمور بعقولنا ومنطقنا نحن، وليس قبولها فقط لمجرد أن للخالق حكمة ما فيها.
ماحكمة الخالق فى تدميرفصيل كبير من البشرمنذ الخليقة، عندما خلق أنسان ببشرة سوداء، قارة بأكملها تعاقب وتروع ويحكم عليها بالعبودية تبعا لحكم الكتاب المقدس. اللون الأسود بقترن بالظلام وتعفن الطعام وتفسخ الأجساد بعد الموت وبمرض الطاعون وما إلى ذلك، فأين الحكمة فى ذلك؟ خطأ فى الخلق كان ولايزال سبب فى المعاناة لأكثرمن مليارمن أصحاب البشرة السوداء نتيدة للتمييز العنصرى والكراهية. ما ذنب الطفل الصغيرالبرئ عندما يولد اسود الجلد، ليجد نفسه مختلفا عن الأطفال الآخريين.
لماذا نزلت الأديان متضاربة وبلغات مختلفة مما سبب الصراعات والحروب والكراهية بين البشر ولا تزال.
أن العقل المتحرر لايستطيع الأخذ بديانات تدعو إلى قبول كل ماهو كائن على علاته لاغية للتفكير، ديانات لاتقبل أى نقد لنقائص الحياة ولاتقبل الشك وترتضى أوضاع الحياة كما هى.
لماذا….. ولماذا
وأخيرا، هل أن الإله تعمد العشوائية والقسوة والظلم وعدم الرحمة والتفرقة بين من خلقهم، ولماذا ؟
أنتهت المرافعات فى الوقت المحدد، وعادت الملائكة تسبح فى ملكوت السماوات، وعاد العبيد إلى دورة الحياة فى إنتظار عدالة السماء التى قد تأتى أو لا تأتى ؟
مهندس/ محيى الدين غريب
كوبنهاجن – الدانمارك