ثورة لم تمت ولم تكتمل فكيف أن نحيى ذكراها…؟
ثورة كانت حلما باهتا لمطالب إنسانية أساسية للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فإذا بها حقيقة واقعة. رأيناها جميعا فى الأيام القليلة الأولى فى وجوه الملايين والنظرات ثاقبة منكسرة ودموع اليأس، ورأيناها عندما حاول النظام الالتفاف حولها لإجهاضها فى مهد مولدها لينضح بشراسة عن محاولاته التآمرية والإجرامية لترويع شباب الثورة ونشر الذعر والرعب وعدم الأمان بين فئات الشعب.
لكن إصرار الشعب كان سمة واضحة لهذه الثورة، أبى إلا أن يسقط النظام وليس فقط إصلاحه. ثم جاء التنحى بعد أيام عصيبة بطيئة ليغتصب اغتصابا،وفى غفلة من الشعب وبدون وجه حق سلم مبارك الدولة للقوات المسلحة بدلا من أن تسلم للشعب..!؟ وجاء التنحى ولكن بعد أن سفكت دماء المئات من الشهداء وجرح الآلاف من الشباب الأبرياء ثمنا لهذه الثورة البيضاء. ولم يكن للقوات المسلحة إلا ان تختار الإنحياز إلى الشعب فهم موظفون عند الشعب لحمايته.
هذه النهاية المذلة وغير المشرفة لمبارك وأعوانه (رئيس مصر لثلاثة عقود) بعد أنتزاع التنحى عنوة منه وإجباره على ذلك هى التى عززت أحقية أن يطلق على ما حدث بالثورة رغم الأنوف.
وقفت القوات المسلحة موقف المحايد ليقتصر دورها على حماية البلاد وحماية النظام الذى يختاره الشعب ديمقراطيا، ولا جدوى أو مكان لإنقلاب عسكرى أو ما إلى ذلك من حلول قد عفى عنها الزمن. وهو ما كان واضحا فى التصرف الحضارى للقيادات العسكرية فى ذلك الوقت.
كانت فرصة لوطن ومستقبل أفضل وأملا فى دولة مدنية وعدالة إجتماعية نتوق إليها منذ عقود، لولا انقضاض جماعة الإخوان المسلمين وتواريهم وراء ثورة 25 بعد أن تأكدوا من نجاحها. ولكن الشعب أكتشف أن غايتهم إستغلال السلطة وإقحام الدين فى السياسة فتمردت عليهم الغالبية العظمى من الشعب فى 30/6 ولفظتهم لفظة قاسية أشاطت غضبهم وكشفت عن نزعتهم الإرهابية ليبدأوا فى سلسلة من العمليات الإرهابية المتوحشة ولاتزال، أهدرت فيها دماء الأبرياء حبا فى الإنتقام وندما على الفرصة التى ضاعت منهم فى إقامة دولة إسلامية وخزعبلات الخلافة.
ومرة أخرى لم يكن للقوات المسلحة إلا وأن تختار الإنحياز إلى الشعب، ولكنها إستطاعت هذه المرة أن تقنع الشعب بضرورة تفويضهم لتسيطر على مقادير الدولة وتعيد الأمن، لتختطف الثورة مرة ثانية، هذه المرة بمساعدة فلول نظام مبارك والدولة العميقة كما نرى حاليا والتى سمح بعودتها النظام الحالى. وأستغلت بكفاءة وبحجة الأمن والأمان أبواق الإعلام بين مصفقين وموالين فى الأنقضاض على ثورة 25 يناير وإتهام من قاموا بها بالعمالة والخيانة وما إلى ذلك. وكما نرى الآن أصبح التنوع والاختلاف السياسى خطيئة، وكل من مع الدولة المدنية وضد أقحام الجيش فى السياسة، هو غير وطنى ويعادى الجيش وخائن وينتمى إلى جماعة الأخوان الإرهابية وما إلى ذلك.
بعد قرابة سبعة أعوام على ثورة يناير، أصبح من الواضح أن الثورة المضادة قام بها الفلول من المستفيدين ممن كانوا يدعمون نظام مبارك سواء من رجال الأعمال أو من مؤسسات الشرطة والجيش، وعادت الوجوه القديمة الواحد تلو الآخر بريئين من تهم الفساد والإستبداد التى أرتكبوها طوال ثلاثة عقود. عادوا للأنقضاض على ثورة 25 يناير والتقليل منها، تارة بإتهام من قام بها بالعمالة لأمريكا والغرب، وتارة أخرى بأتهامهم بزعزعة الأمن والاستقرار. عادوا للإنتقام من ثورة 25 التى أزلتهم وزجت بهم فى السجون ولطخت تاريخهم ولو لفترة قصيرة.
أن أصحاب ثورة 25 يناير 2011 هم هؤلاء الشباب الذى أطلق شرارة هذه الثورة، وهم هؤلاء من أسهموا وضحوا على مدى عقود لرفض الظلم والفساد، وهم من كممت أفواههم ورموا فى السجون والمعتقلات، وهم كل من كتب سطر أو كلمة حق لأعلاء قضية الحرية المسلوبة على مدى عقود تحت سيطرة القوات المسلحة من عبد الناصر والسادات وحتى مبارك.
أتعجب على هؤلاء الذين فجأة اصبحوا لايؤمنون بثورات الربيع العربى بحجة أن امريكا والغرب وعملائهم المأجورين ورائها، هؤلاء الذين أصبحوا ابواقا تردد مايريده النظام القديم فى صورته الجديدة.
فإذا أفترضنا (جدلا) أن أمريكا هى وراء هذه الثورات فيجب أن نشكرها ونطلب منها المزيد، ففى مصر قد خلصتنا من الدكتاتور مبارك، وحتى أذا فعلت ذلك لتمكن الاخوان المسلمين من الحكم، فلقد أتاحت فرصة تاريخية للشعب المصرى لكشف ولفظ الأخوان إلى الأبد، وترسيخ عدم إقحام الدين فى السياسة.
وفى تونس نشكرها أيضا لأنها اطاحت بالدكتاتور بن العابدين لتضع تونس على الطريق الديمقراطى بالرغم من وجود التيار الإسلامى، وهم على وشك التخلص منه سياسيا. وهكذا فى العراق وليبيا واليمن خلصتنا من الدكتاتوريات وبالطبع لكى يحل محلها داعش والتطرفات الإسلامية، وهم ليس إختراعا جديدا لأن جميعهم موجودين بيننا بالفعل، ويمكن التخلص منهم بأرادتنا وتغيير ما بأنفسنا قبل كل شيئ.
يجب أن يخجل من يقول أن ثورات الربيع فشلت أو أن أمريكا وراءها، هم فقط من أهيونوا ومن أنتفعوا من هذه الأنظمة الفاسدة، هم أنفسهم من يقلل من ثورات الشعوب التى تطالب بعدالة وحرية وكرامة.
سيظل الهجوم على 25 يناير ليس إلا محاولة لتزوير التاريخ الذى أثبت مرارا وتكرارا أن الذين يريدون الموت لثورة يدفعون لثورة جديدة لاتموت.
قال جون كيندى، الرئيس الاسبق للولايات المتحدة الأمريكية:
الذين يعادون ثورة سلمية، يدفعون إلى ثورة عنيفة لامفر منها !!
وفي النهاية تعليق:
بالطبع جاءت الأوامر ألا يحتفل بثورة 25 يناير فى سفاراتنا بالخارج بحجج واهية لا ترقى إلا قبول الأبواق والمنتفعين من النظام القديم، الذين أهانتهم الثورة وكشفتهم.
ويجيئ الأخوان المسلمين لكى يشوهون ما تبقى من الثورة عندما يدعون تمسكهم بها ويتصدرون المعارضة بإدعائاتهم الكاذبة فتكون حجة قوية للنظام تعمد الخلط بين الحابل والنابل. إلا أن الثورات لا تموت..!!
الأمل أن ينكشح الأخوان المسلمين من واجهة الثورة لتعبر فقط عن المعارضة الوطنية التى تريدها مصر، وهي دولة مدنية ديمقراطية، لا يتدخل الدين ولا أي مؤسسة أخرى فى شئونها وسياستها، كما يحدث فى العالم المتحضر.