الرأي الحر

من نفحات شهر شعبان… فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحن…!!

لقد هل علينا شهر مبارك عظيم وهو شهر شعبان الشهر الثامن في السنة الهجرية وهو يأتي بين شهري رجب ورمضان .

وحينما يهل علينا شهر رجب بنفحاته سرعان ما نستحضر أجواء رمضان ونشعر بأن رمضان أصبح علي الأبواب ويمضي رجب وندخل في شهر شعبان وأعيننا تصبو إلي رمضان ونحن متطلعين إلي نسمات رمضان وقلوبنا تشتاق وتتوق لنفحاته ولذلك فغالباً لا ننتبه إلي بركات شعبان ونغفل عن نفحاته ولذلك في الحديث الصحيح الذي رُوي عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن سبب كثرة صومه في شهر شعبان، فأجابه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: (ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ)

وهذه من أكبر وأهم نفحات هذا الشهر المبارك

أولاً : رفع الأعمال إلي رب العالمين :

و هناك أربع صور لرفع الأعمال: وهي الرفع اليومي والأسبوعي والسنوي والختامي، وقد بينها الإمام ابن القيم رحمه الله فقال: فإن عمل العام كله يرفع في شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم أنه ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم،

ويعرض عمل الأسبوع يوم الإثنين والخميس،

وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل،

وعمل الليل في آخره قبل النهار،.

فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع العام، وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله، وطويت صحيفة العمل.”

وفائدة التقسيم السابق لرفع الأعمال أن نجتهد أكثر في هذه الأوقات ونملأها بالطاعات كي يرفع عملنا ونحن في صيام أو ذكر أو استغفار .

ولذلك لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب صومه يومي الإثنين والخميس فقال : ذانِكَ يومانِ تُعرَضُ فيهما الأَعمالُ على ربِّ العالمينَ ، فأحبُّ أن يُعرَضَ عمَلي وأَنا صائمٌ.

ثانياً فيه ليلة المغفرة الكبري :

فعن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ في لَيْلَةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خلقة إلا لِمُشْرِكٍ أو مُشَاحِنٍ ) حديث صحيح – وصححه الشيخ الألباني

فلنتأمل حفظكم الله حجب المغفرة عن المشاحن ومشاركته للمشرك بالله والعياذ بالله ، في هذا الحجب

فلنستشعر خطورة المشاحنة والشحناء وما أدراكم ما الشحناء..؟؟؟؟ شرها عظيم, ووبالها يعم ولا يخص, ولنتذكر يوم أن خرج نبينا صلوات الله وسلامه عليه ذات يوم لبخبر بليلة القدر, فتلاحى رجلان فرفع خبرها ونبأها, رفعت تلك البركة عن الأمة إلى قيام الساعة بسبب ملاحاة رجلين وخصومة اثنين من الصحابة رضي الله تعالي عنهم أجمعين , فما ظنكم بما يقع في أيامنا هذه من خصومات ومشاحنات وصراعات وضغائن نسأل الله الستر والعافية .

فهنيئًا لمن جاهد نفسه ، و نقي قلبه من الغل والحقد والحسد والبغضاء والشحناء في كل ليلة وبات مسامحاً ودون أن يحقر أو يؤذي أو يظلم أحد وبالأخص قبل أن تأتي عليه تلك الليلة المباركة

فأفضل الأعمال عند الله (عز وجل) سلامة الصدر ، وحب الخير للناس ، قيل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: “كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ”. قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: “هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، الذي لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ” ، حديث صحيح – فلنتسامح مع أنفسنا و نلتمس الأعذار ونعفو ونصفح ، ولنصل من قطعنا ، فإن من كريم خصال المرء أَنْ يصِلَ مَنْ قَطَعَه، وَيعْطِيَ مَنْ حَرَمَه، وَيعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَه ، قال تعالى: { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ،

وقد وصف الله المؤمنين عموما بأنهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم .
ولنتذكر قول نبينا صلي الله عليه وسلم

« تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا » رواه مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ.
فانظر حفظك الله كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الحقد والغل والحسد …؟!!

ولا ننسي ما حدث مع سيدنا عيلة بن زيد في غزوة تبوك لما طلب النبي صلي الله عليه وسلم تجهيز جيش العسرة وقام ( علية بن زيد ) فصلى من الليل وبكى وقال : اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك ولم تجعل فى يد رسولك ما يحملني عليه وليس عندي ما أتصدق به لتجهيز الجيش وإنى أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض ثم أصبح مع الناس فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( أين المتصدق هذه الليلة ) ؟ . فلم يقم إليه أحد ثم قال : ( أين المتصدق فليقم ) فقام إليه عيلة بن زيد فأخبره فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( أبشر فوالذي نفس محمد بيده إن الله يبشرك بأنها قد كتبت في الزكاة المتقبلة )

فلنُري الله من أنفسنا خيرًا في هذه الليلة المباركة رجاء أن يطلع علينا الله برحمته ويدخلنا بكرمه في زمرة من يغفر لهم إنه هو الغفور الرحيم .

ثالثاً شهر تحويل القبلة :

ظل المسلمون يتوجهون في صلاتهم نحو المسجد الأقصى منذ أن وفدوا على المدينة المنورة مهـاجرين إليها من مكة، سبعة عشرا شهرا، إلى أن نزل الأمر القرآني باستقبال المسجد الحرام في شعبان من السنة الثانية للهجرة، وهي ذات السنة التي فرض صيام رمضان فيها وهي أيضاً نفس السنة التي كانت فيها غزوة بدر ويعتبر تحويل القبلة حدثاُ غاية في الأهمية، ولذلك جاء شرحا وتوضيحا في تسع آيات بينات من سورة البقرة، من بداية الحزب الثالث، من الآية 142 : ۞ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ…..)،

إلى قوله جل في علاه في الآية 150 : ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ..)

حيث أبرز الحق سبحانه دواعي التحويل تنضاف إلى دلالات ترتبط بسياق الحدث وأخرى بسلوك المسلمين أفرادا وجماعة، إلى قيام الساعة ومن ذلك:

1. ترضية ومواساة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو حبيب الله الذي تكفل بترضيته صلي الله عليه وسلم قال تعالي : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) فيقول سبحانه: ( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) .

٢ – إخلاص النية لله عز وجل فقد كان العرب في الجاهليّة يعظمون البيت ويحبونه ويقدسونه وكانت وجهتهم في عبادتهم الكعبة المشرّفة، لكنّ ليس ذلك لعقيدة حقيقيّة، بل عن توارث وعنصريّة وتمجيدٍ للقوميّة وعادة متوارثة ، فأراد الإسلام أن ينزع من المسلمين كلّ تحيّز لأي وجهه وتحرر من أي عادة وتخليص القلوب لأمر الله وحده ، فأمرهم بالتوجّه نحو المسجد الأقصى، حتى يخلصهم من أي مفهومٍ يمجّدونه غير الدين والعقيدة والتوحيد والإخلاص ، ثمّ إذا صفت النفوس وصحّت وخلصت النية لله عز وجل والإمتثال والخضوع والإذعان لأوامره سبحانه أعاد الله -تعالى- ربطهم بالكعبة المشرّفة لكن هذه المرة برباط العقيدة والتوحيد والإخلاص له سبحانه وتعالي جل شأنه القائل علي لسان عباده : ( وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )

وهناك حكم أخري كثيرة في هذا الأمر ولا مجال للتوسع فيها الان ، هذا وقد جاء تحويل القبلة في شعبان ورأينا كيف كانت كثرة الصيام من نبينا صلي الله عليه وسلم والاستزادة من كل ألوان الطاعات في هذا الشهر فكأنما هي دعوة لتغيير أي تقصير وإنها لفرصة طيبة لكل مسلم أن يصحح الوجهة ويجدد النية والقصد في شعبان ويسارع للتوبة قبل الدخول في رمضان عسى أن يوفقنا الله عز وجل لنكون من عتقاء رمضان، وتكتب لنا ولادة قلبية جديدة، ونقبل على الله تعالى ونطلب رضاه وصحبة نبيه المصطفي صلي الله عليه واله وسلم .

٣- و أيضاُ حتي لا ننسي المسجد الأقصى المبارك فقد شاء الله عزوجل أن يكون هو القبلة الأولي ولذلك نقول أولي القبلتين و في صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ» فلننتبه لهذا الربط الدائم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى ونسأل الله أن يفك أسره .

٤- وفي شهر شعبان نزل قول الله عز وجل :

” إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً “ [الأحزاب:56]

وكلنا يدرك قيمة وفضل ومنزلة الصلاة والسلام علي المصطفي صلي الله عليه وسلم وقد أمرنا الله أن نكثر من الصلاة والسلام عليه في هذه الآيات المباركات بأمرٍ بدأ فيه بنفسه سبحانه وتعالي جل شأنه ثم (ثنّي) بملائكته ثم ( أيّه )بالمؤمنين أجمعين فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله الطيبين الطاهرين عدد ما أحاط به علمك وخط به قلمك وأحصاه كتابك وارضي اللهم عن ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .

يارب صلي علي النبي مسلماً…

واجعل لنا التوفيق دوماً صاحبا…

والحمد لله رب العالمين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى