في جزء من الحديث القدسي الذي رواه ابو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم عن رب العزة جاء فيه : ((…… وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ …. )) متفق عليه .
وخُلُوفُ فم الصائم بضم الخاء واللام هو هذه الرائحة التي تخرج من الفم نتيجة خواء المعدة من الطعام والشراب ولابد أن نقف مع هذا الأمر وقفتين :
أولاً : نعلم أن الصوم من أعظم العبادات وأعلاها منزلةً وأجراً، وأجره عند الله بغير حساب وهناك باب في الجنة مخصص للصائمين إسمه “باب الريان” فإذا كان أثر الصيام، وهو هذه الرائحة، له هذه القيمة الكبيرة فهو أطيب عند الله من رائحة المسك، فما بالنا بالصوم نفسه كيف سيكون أجره ؟
وننتبه أنها ليست كرائحة المسك ولكنها أطيب من رائحة المسك ونلاحظ أيضاً أنها – عند الله – وليست كرائحة مسك الدنيا فلله الحمد والفضل .
ثانياً : ومع أن الصوم له هذه المنزلة والمكانةً العالية، إلا أن له هذه الرائحة الخاصة بل وهذه الرائحة كريهه ويشمئز منها المرء، وهذا يجعلنا ننتبه ونتدبر ونقول : هذه أعظم طاعة … ومع ذلك يكون من أثرها هذه الرائحة الكريهه …؟!!! …. فماذا لو كان للمعصية رائحة ..؟؟؟
وماذا لو كان لكل معصية رائحة خاصة بها …؟؟
يا سبحان الله فلنتخيل لو كان لكل معصية رائحة فكيف سيكون حال العبد بين يدي ربه وأمام خلقه فمثلاً، …عندما نغتاب أحد ونذكره بسوء تخرج رائحة الغيبة والنميمة، … وعند النظر إلي ما حرم الله تخرج رائحة النظرة الحرام ،… أو رائحة الخوض في أعراض الناس،..أو رائحة الغل والحقد والحسد وتمني زوال النعمة من عند الآخرين أو.. أو .. و هكذا عند إرتكاب أي ذنب تخرج رائحته …!!!
ولكن الله عز وجل من حبه لعباده، وعلمه سبحانه بضعفهم، سترهم فهو الرحمن الرحيم العفو الغفور الودود الحليم، الذي يستر عبده ويمهله حتي يؤوب إليه فيغفر له، فلله الفضل والمنة وهذا من كمال رحمته سبحانه ومن تمام فضله، قال تعالى : ” وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) (25) “سورة الشورى”.
ومن حكم بن عطاء الله السكندري رضي تعالي عنه : إن من فضل الله عز وجل علينا أنه ليست للذنوب رائحةً تفوح فإذا المستور منا بين ثوبيه فضوح . فلولا ستر الله لافتضحنا كلنا.
ويقول أيضاً في حكمة أخري : لا تشكر إحسان الناس إليك ولكن أشكر جميل ستره عليك ، فالحمد والشكر لمن سترك.
فمن أسماء الله وصفاته العلي ( السِتِّير ) وهو سبحانه يستر عبده وأمرنا بالستر وقد جاء في الحديث الشريف أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ…) “حديث صحيح”.
وقد أمرنا نبينا صلي الله عليه وسلم بالستر في أحاديث كثيرة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ: ( لاَ يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا ، إِلاَّ سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ) “أخرجه أحمد و الإمام مسلم”.
وجاء في الحديث (…. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ) البُخَارِي ومسلم ومسند الإمام أحمد.
ولذا علمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نقول صباح مساء : ( اللهم إني أصبحت (أمسيت) منك في نعمة وعافية وستر فأتم عليّ نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة ).
فلنفرح ونسعد برائحة أثر الصوم ونحمد الله عز وجل عليها مرتين .
فاللهم أتم علينا نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة .
يارب صلي علي النبي مسلماً …
واجعل لنا التوفيق دوماً صاحباًً…
عبدالرحيم الخولي