رسالة إلى الكاتب الصحفي مصطفى أمين
كوبنهاجن فى مايو1977 …… ( وحتى الآن فى انتظار الرد)
عزيزي الأستاذ / مصطفى أمين
تحية طيبة وبعد ..
قرأت مقالكم تحت عنوان “فكرة” بتاريخ 28/4/1977 ، وكنت قد تعودت ألا أكون ناقداً لما يحدث في وطننا وأنا على هذا البعد البعيد ، حيث أنني لم أجد جدوى من ذلك.
ولكني أرسل هذه المرة لأن كاتب المقال كاتب يؤثر بقلمه وبتفكيره على الرأي العام.
أحسست بما جاء في المقال وكأنه دعوة للاستسلام لما نحن فيه من متناقضات وأخطاء.
وكأن المعاناة من الجوع والجهل والمرض تتحول إلى نوع من السعادة إذا ما اقترنت بكلمة حلوة أو مواساة أو معاونة.
أقول لكم إن هذه الرؤية وهذه الفلسفة هي التي تترك المجتمع متخلفاً يعيش في متاهات بعيدة عن الواقع ، وتضعف من طموح الإنسان.
فهو يتغاضى عن حقوقه لأن هناك من يمسح دموعه ، وهو لا يعتمد على نفسه ولا يحس بالاستقلال لأن هناك من يمد له يد المساعدة ، وهو حتى لا يمانع أن يعيش وسط أكوام الزبالة طالما أوصال المحبة موجودة.
وأنا لا أتعجب عندما أسمع أن الزائر لأوربا أو المغترب فيها يشعر بالوحدة ويفتقد وطنه الأم ، فهذا طبيعياً لاختلاف الثقافة والعادات والتقاليد وما إلى ذلك.
ولكني أتعجب كيف يستطيع الزائر أو المغترب لفترة قصيرة أن يقرر أن الشعور بالوحدة والغربة في أوربا هو شعور عام دون أن يندمج مدة كافية في هذا المجتمع ويكتسب قدرة قياس أمور الحياة بمقايسهم. لأن بعدها ستختلف وجهة النظر هذه.
سيعرف أنه من الطبيعي كلما ازداد الإنسان استقلالا كلما ازداد شعوره بالوحدة ولكن بالقدر الذي يحتاجه هو لتطوير نفسه للأمام.
وذهابه على سبيل المثال للعيادة النفسية ليس بالضرورة بسبب مرض نفسي خطير ، ولكن غالبا بمثابة الفحص والصيانة ، تماما كالذهاب لعيادة الأسنان من حين لآخر.
والمعروف أن الإنسان الأوروبي أكثر طموحا وتطلعا للعيش حياة سعيدة ويبذل قصارى الجهد لتحقيق ذلك ، فلو أنه وجد أى
سعادة بين أكوام الزبالة وطوابير الجمعية وفلتان الأعصاب ، كما تفضلت فى مقالك ، لما توانى لحظة واحدة في أن يعيش هذه السعادة ، ولكنه أختار الطريق الآخر.
عندما عرضت المقالة على بعض الأصدقاء بعد ترجمتها ، علق أحدهم ساخرا “إن من حكمة الطبيعة وجود هذا التوازن الفكري وإلا صارت مطالب الإنسان أكثر مما تستطيع الأرض أن تقدمه”.
وعلق آخر وهو دكتور في الفلسفة فقال ” لو أن نصف العالم استحسن التفكير بهذه الطريقة لعاش النصف الآخر في هدوء”.
كان الأجدى يا سيدي شغل مساحة جريدتكم بمشاكل الساعة والتي تعد بالعشرات سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية.
ألم يلفت نظركم مشكلة تزايد السكان ، أو مشاكل الإسكان ، أو التناقض في شمول الدستور بندا للأستفتاء الشعبي ، بينما نسبة الأمية تزيد عن 40 %.
ألم يلفت نظركم التعسف في بنود القرارات الأخيرة بعد أحداث (18 و 19 يناير) والتي لا تتناسب مع الديمقراطية التي نتطلع إليها.
ألم يلفت نظركم أن بلادنا تقوم بمساعدة بلد أفريقي معروف أن النظام القائم فيه نظام ديكتاتوري ، بينما نحن في حاجة للمساعدة …… والأمثلة كثيرة.
أخيراً أرجو من الله لكم وللجميع التوفيق.